كتاب التشكلات الايديولوجية في الاسلام الاجتهادات والتاريخ PDF بنسالم حميش : هذه الطبعة العربية لهذا الكتاب تتميز عن طبعته الفرنسية الأولى 1981 بكونها فريدة ومنقحة. وفيها تظهر تحاليل "بنسالم حميش" المؤلف، المتسمة بالجدة أحياناً، أكثر غوراً في الدوائر المرجعية الكبرى الموثوقة. إن في أفكاره وتخميناته الشخصية، المصاغة بتبصر وفطنة، ما يجلب لها مصادقة أو تعاطف القارئ، مع أن فيها أيضاً ما يستدعي التمحيص والجدال. اجتهاد وجهد وجهاد، كلها كلمات مشتقة من أصل واحد: ج.هـ.د. وهذا معناه أننا بمحضر مفهوم عملي وذي تمثيلية حقة... الاجتهاد هو نقيض التقليد، وهو أكثر من هذا حثّ دائم مفتوح على تحديد الفكر والانضواء الجدلي الفاعل في حركة انبناء العقيدة النافعة والقانون التنظيمي العقلاني.ويلزم التنويه هنا بالدقة التي أبداها المؤلف في توضيح التاريخ الصاخب والثري لذلك الاجتهاد، من دون أن يهمل تسجيل عواقبه المذهبية والسياسية. غاية هذا الكتاب ليست الاكتفاء بسرد تاريخ الاجتهاد، بل هي أكثر من هذا إعطاء تعليل نقدي قائم على وصف دينامي للخطابات المركزية في الإسلام، من فقه وكلام وتصوف. التعليل نقدي والوصف دينامي لأنهما يعرضان تقابل وجوه "الاجتهاد الأيديولوجي" الكبرى في صراع اكتساب (أو انتزاع) حق تأويل (النصوص التأسيسية) وتملكها.وإن خطة المؤلف، بصفة عامة، جد أصيله، لا سيما وأن حرية القول فيها مدعومة دوماً بالحجة والإشارة التاريخية. فمتى تعلق الأمر بقضية "فتح باب الاجتهاد" رأيناه، بصدد تفسير هذه الظاهرة، يحلل شروطها الداخلية القائمة مع القرآن والحديث في أسباب النزول والقول في النسخ والمتشابه ويستخلص مسجلاً أن: "اللجوء إلى الاجتهاد كان ضرورة حيوية لحفظ التأسيسية الإسلامية وتنشيطها فكرياً وللفتح الترابي المتزايد، كما أنه كان قواماً حتمياً لمناخ الصراع بين الفرق والتيارات المتعارضة داخل البلاد الإسلامية الشاسعة".ومتى تعلق الأمر بقضية انسداد باب الاجتهاد الأساسية، رأينا المؤلف، يتخطى الأسباب المنسوبة إلى اكتمال النظام الفقهي السني والتي يقدمها أتباع هذا النظام ويكتفي بها مستشرقون مرموقون، وذلك بقصد إبراز العوامل الأيديولوجية-التاريخية التي تتضمن الخطاب السني المهيمن كشريك وطرف في علاقات القوى والصراع بين الأيديولوجيات المتواجدة، وهذه العوامل كما يلخصها الحلل على سبيل الجمع والإحاطة هي: تدهور الخلافة العباسية وقيام السنية المناضلة، خطر الباطينتين (الصوفية والإسماعيلية). باختصار على طول المؤلف نشاهد حضور التاريخ حضوراً تخدم الفرضية ويعطي للفكرة مادتها وقوامها. وما كان لهذا المنحى أن يكون غير ما هو عليه، ما دام أن صاحبه انطلق من اعتبار ظاهرة الاجتهادات كتعبير عن "إرادة مارسها الفكر الإسلامي إما لكي يحافظ على حدوده وإما لكي يتطور أو يغير ما به".
إقرأ المزيد