كتاب الإيمان والأخلاق PDF ميادة بنت كامل ال ماضي : من المعلوم أن هناك ارتباطاً واضحاً بين الإيمان والأخلاق في شريعتنا الإسلامية الغرَّاء، حيث يظهر ذلك بشكل واضح وجليٍّ في كتاب ربِّنا سبحانه وتعالى وسنّة نبينا صلى الله عليه وسلم، ففي القرآن الكريم نجدُ العديد من الآيات القرآنية تتحدث عن ذلك، منها قوله سبحانه وتعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ والضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}. وعند دراستنا للآية الكريمة السابقة نجد أنها قد حدَّدت معنى البِرِّ: بأنه إيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنَّبيِّين، ثم تَلَى ذلك مباشرة الحثّ على بعض مكارم الأخلاق، وهي: إنفاق المال في وجوه البِرَّ المختلفة والوفاء بالعهد والصّبر. وفي السنّة النبوية الشريفة نجد العديد من الأحاديث النبوية التي تتحدث عن ارتباط الإيمان بالأخلاق، فقد حدّد رسولنا صلى الله عليه وسلم الغاية الأولى من بعثته، فقال - عليه الصلاة والسلام -: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ)، كما أكَّد صلى الله عليه وسلم على الترابط الوثيق بين الإيمان وحُسن الخُلُق، فقال - عليه الصلاة والسلام -: (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقاً)، فإذا حَسُنَت الأخلاق واستقامت وصَلُحَت كانت دليلاً واضحاً على قوة الإيمان. أهميـة الأخلاق في الإسلام لقد أولى ديننا الإسلامي الحنيف الأخلاق الفاضلة اهتماماً عظيماً، وحرص على غرسها في القلوب وَطَبَعَ النفوس عليها، فَحُسْنُ الخُلُق من أهمّ مقاصد الإسلام، حيث إنّ الرُّسُلَ - عليهم الصلاة والسلام - قد دعوا أقوامهم إلى إخلاص العبادة للّه سبحانه وتعالى وإلى التَّحلِّي بمكارم الأخلاق، وحُسْنُ الخُلُق من أكثر ما يثقل به موازين الأعمال يوم الحساب، كما جاء في الحديث عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ). لقد حثّ ديننا الإسلامي الحنيف على الأخلاق الحسنة ووجوب التَّحلِّي بها، وجمع بين الإيمان وحُسن الخُلُق، كما جاء في قوله - عليه الصلاة والسلام -: (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً)، ومن حُسن الخُلُق: طلاقة الوجه وبذل المعروف وكفّ الأذى عن الناس والدعوة إلى التآلف والحبّ والإيثار، لأن سوء الخلق يؤدي إلى الحقد والكراهية والحسد، فما أحوجنا في هذه الأيام إلى الأخلاق الفاضلة التي تعمل على بناء المجتمع على أُسُسٍ سليمة وقوية قائمة على الإيمان والقِيَم والأخلاق الحسنة. كما أن الأخلاق عامل مهم في نهضة الأمم وبنائها، فالأخلاق سياج الأمم، وميزان تقدّمها ورقيِّها، وعنوان عظمتها وخلودها، وبها تصلح أحوالها، فالأمم لا تحيا بدون أخلاق، وفي ذلك يقول الشاعر: وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا الأخلاق ميزان رُقِيّ الأمم أخرج الإمام الترمذي في سننه عَن جَابِرٍ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللِّه صلى الله عليه وسلمقَالَ: (إِنَّ مِن أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبكُم مِنِّي مَجلِساً يَومَ القِيامَةِ أَحَاسِنكُمْ أَخلاقاً، وَإِنَّ أَبغَضكُمْ إِلَيَّ وَأَبعَدَكُمْ مِنِّي مَجلِساً يَومَ القِيَامَةِ الثَّرثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ، قَد عَلِمنَا الثَّرثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا المُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: المُتَكَبِّرُونَ). من المعلوم أن الإسلام بتعاليمه السَّمحة جاء ليأخذ بيدِ البشرية إلى حياة مُشرقة بالفضائل والآداب، واعتبر المراحل المؤدية إلى هذا الهدف النبيل من صميم رسالته، حيث إن الأخلاق الفاضلة من أصول الحياة التي يرتضيها الإسلام ويحترم ذويها، كما أنه عدّ الإخلال بهذه الوسائل خروجاً عليه وابتعاداً عنه. ومن هنا فقد حرص ديننا الإسلامي الحنيف على وجوب التّحلّي بمكارم الأخلاق وغرسها في نفوس أفراد المجتمع لينشأوا وَيَشُبّوا عليها، فالخُلُقَ الحسن هو وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جميع المسلمين، كما جاء في الحديث الشريف عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِع السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ). ومن الجدير بالذكر أن الخُلُق الحسن من أعظم الأساليب التي تجذب الناس إلى الإسلام، فقد أقبل كثيرٌ من الناس على الدخول في الإسلام بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل حُسن خُلُقه - صلى الله عليه وسلم -: { فهذا ثُمَامةُ بن أُثال يُسلم، ويقول للرسول صلى الله عليه وسلم: (... وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ). { وذاك أعرابيٌ يقول وهو في الصلاة: (اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّداً، وَلا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَداً). إن الأخلاق الفاضلة ليست سبب السعادة في الدنيا فحسب، بل هي أساس السعادة في الدنيا والآخرة، وكفى صاحبُ الخُلق الرفيع شرفاً وَعُلُوًّا مجاورته للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم – في الجنة، كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقّاً، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحاً، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ». هذه هي مدرسة النّبوة التي ترشدنا إلى وجوب التّحلّي بمكارم الأخلاق، وضرورة البُعْد عن الأخلاق السَّـيِّئة، فالمسلم حينما يتمسّك بالأخلاق الفاضلة فإنها تعود عليه بكلّ خير، فالرسالة الإسلامية جاءت من أجل إتمام مكارم الأخلاق. هذا الكتيب يبين القيمة التي تضيفها الأخلاق لنا، وبعض فضائل الأعمال، وبعض أقسام الخلق، وبعض الوسائل التي تمكننا من اكتساب الخلق الكريم المحمو .
إقرأ المزيد