كتاب المقدمات الأساسية في علوم القرآن PDF عبد الله بن يوسف الجديع : فإنّ أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النّار. لقد كانت الرّغبة لديّ في تحرير مقدّمات مهمّة تتّصل بالكتاب العزيز قديمة، وذلك على سبيل المشاركة في تقريب العلوم الأساسيّة لفهم الكتاب والسّنّة، دون بخس لما سبق به أهل العلم في هذا الباب، ولكن بمنهج محرّر يجمع بين صحيح النّقل وصريح العقل دون تكلّف، مجانب الاستدلال بالضّعيف من الأخبار، غير جار على المعتاد من التّقليد لا في المضمون ولا في الأسلوب، إذ لو كنّا مجرّد نقلة لكان الإبقاء على مؤلّفات الأقدمين أولى من تكلّف التّصنيف. وعلوم القرآن أولى وأوّل ما يشمّر له أصحاب الهمم العالية، إذ هي مفاتيح سائر علوم الإسلام، ولا يحسن بالطّالب أن يقدّم عليها سواها فيشتغل بحديث أو فقه أو غير ذلك، ولمّا يأخذ من علم القرآن قاعدته، وإنّي لأعجب من منتسب للعلم قد ذهب حظّه من علوم الكتاب، واقتصر سعيه على طرف من فتات المسائل، فاستبدل الّذي هو أدنى بالّذي هو خير، وأسوأ منه حالا من تدنّى تحصيله من ذلك إلى قدر لا يحسن معه تلاوة القرآن وهو يتصدّى لعظام الأمور! وحيث لا يخفى أنّ علوم القرآن بمعناها العامّ لا حصر لها بأنواع معيّنة، فهو الكتاب الّذي قال الله تعالى فيه: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل: 89]، فإنّ الكلام فيها إنّما هو من حيث النّظر إلى معرفة مقدّمات أساسيّة ينبغي الإلمام بها لكلّ راغب في دراسة هذا الكتاب العزيز، توضّح مزاياه، وتحقّق إسناده، وتهدي إلى معرفته وفهمه. ومن خلال الدّراسة تحصّل لي أنّ البحث في ذلك يتناول معرفة المقدّمات السّتّ التّالية: المقدّمة الأولى: نزول القرآن. المقدّمة الثّانية: حفظ القرآن. المقدّمة الثّالثة: نقل القرآن. المقدّمة الرّابعة: النّسخ في القرآن. المقدّمة الخامسة: تفسير القرآن. المقدّمة السّادسة: أحكام قراءة القرآن. وربّما أدرجت مباحث أخرى في جملة (علوم القرآن) كالكلام على خصائصه وأسلوبه اللّغويّ، وأسلوب القصّة فيه، وقوانين الجدل والمناظرة، وطريقة وأنواع الأحكام فيه، وشبه ذلك، ممّا ينقسم إجمالا إلى ثلاثة أقسام: أوّلها: مباحث تتّصل بإبراز الإعجاز في القرآن، وهذا ليس علما تطبيقيّا من علوم القرآن، وقد قدّمت بالتّنبيه على أهمّه، والمقصود الاعتناء بالعلوم التأصيليّة العامّة الّتي سمّيتها ب (المقدّمات) لتكون قاعدة لغيرها، لا بالإنشائيّات الأدبيّة. وثانيها: مباحث تندرج تحت علم التّفسير، والّذي يعنينا هنا هو ذكر مقدّمة تحتوي على أصول عامّة في هذا الفنّ العظيم، فالقصّة القرآنيّة والمثل في القرآن مثلا ممّا يعرف من تفاصيل ذلك الفنّ، ولا ينبغي إدراجه تحت المقدّمات في علوم القرآن. وثالثها: ما يتّصل بمباحث الأحكام، فمحلّه تأصيلا علم (أصول الفقه)، وتفريعا (الفقه)، وأخذه من هناك أولى، خصوصا وأنّ السّنّة تشارك القرآن في ذلك من كلّ وجه، إذ طبيعة الأحكام فيهما واحدة. واستثنيت من ذلك (موضوع النّسخ) فجعلته إحدى هذه (المقدّمات)، مع مشاركة السّنّة للقرآن فيه، وذلك لما له من الصّلة بسلامة القرآن. كذلك، ليس من مباحث علوم القرآن المحضة: علم النّحو، وعلم الصّرف، وعلوم البلاغة، وإن اتّصلت به أو كان السّبب في وضعها وإنشائها؛ لأنّها صارت قوانين لعموم لغة العرب، واعتنى النّاس بها على سبيل الاستقلال لهذه العلّة، فأغنت أبحاثها الخاصّة عن إقحامها في علوم القرآن المحضة. فهذا الكتاب قد أتيت فيه على تحرير تلك المقدّمات، مع التّقديم بين يديها بتمهيد لبيان الاعتقاد في القرآن وأسمائه وتعريف السّورة والآية، ولبيان ما يعود إليه إعجازه. والله تبارك وتعالى أسأل أن يتقبّل هذا الجهد منّي، وأن يرفعني به ووالديّ وأهل بيتي، ومن بذل جهدا في مراجعته، ومن كان سببا في نشره، إلى منازل أوليائه المقرّبين، وأن ينفع به جميع من وقف عليه، هو وليّ ذلك والقادر عليه، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم. وكتب أبو محمّد عبد الله بن يوسف الجديع في محرّم الحرام 1422 هـ .
إقرأ المزيد