كتاب لماذا يخافون الإسلام؟ PDF ابوالحسن علي الحسني الندوي : الإسلام دین مكتمل مكتفٍ بذاته، لا یحتاج إلى استیراد أي قیم أو تشریعات من خارجه، فهو یمتلك تشریعات وتوجیهات تبدأ من الأمور الشخصیة البسیطة وتصل إلى الشؤون السیاسیة العامة، إنك تعجب عندما تجد أن الإسلام قد تناول آداب الطعام والشراب والنوم ودخول الخلاء، وتناول كذلك تشریعات تتعلق “بالأحوال الشخصیة” من زواج وطلاق ومیراث، ثم تناول تشریعات أخرى في السیاسة والاقتصاد والحروب وسائر المجالات العامة، تناول كل هذا بتفاصیل كاملة مكتملة تصل إلى أدق الأمور! هذا الاكتمال العجیب یُعطي المسلم استقلالیة ویكسبه صلابة فكریة یصعب معها اختراقه بأفكار مشبوهة، لأنه بالفعل لا یحتاج إلى شيء من خارج الإسلام فكل شيء، بمعنى كل شيء، موجود في الإسلام على أكمل وأتم وجه، وهذا الذي جعل المسلمین یمتلكون بالفعل على مر التاریخ مناعة أمام هجمات المحرفین وصولات المبطلین. هذا الاكتمال بالطبع لا یروق لأعدائنا في النظام الدولي لأنه یجعل من الإسلام بدیلًا حضاریًا محتملًا لحضارتهم القائمة الیوم، فهو یطرح بدائل جاهزة لكل ما هو موجود الآن، بل هو كان “الأصل” في وقت من الأوقات، إنه لیس دین عبادات فقط داخل المساجد، ولو كان كذلك لما خافوا منه! ولذلك فقد حركوا طابورهم الخامس وأتباعهم في بلادننا لیشككوا الشعوب في هذا الاكتمال ویشوهوه في أذهانهم، وهو ما یمكن تسمیته اختصارًا: (الحرب على الشریعة) وغرضهم من هذا التشویه والتشكیك هو إیجاد فراغات في عقول المسلمین یتسللون من خلالها بأفكارهم وتشریعاتهم التي تحقق مصالحهم، وقد ساعدهم في ذلك أیضًا أفعال من رفعوا شعار هذه الشریعة بفهم مغلوط وخطاب منفر وعرض مشوّه لا یتفق بتاتًا مع هذه الشریعة المكتملة ولا مقاصدها! وقد حوّل أعداؤنا وأذنابهم هذا الاكتمال إلى مادة للاستهزاء والسخریة كنوع من تشكیك الشعوب في شریعتهم، كالسخریة من التشریعات الدقیقة مثل (النهي عن الأكل بالیسار). وهم لا یدرون أن هذه التشریعات التفصیلیة البسیطة دلالة على اكتمال الإسلام وأنه لم یترك شیئًا لم یوجّه فیه المسلمین وهذا مما نفتخر به، وقد قال تعالى: (الْیَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِینَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِیتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِینًا). وقد لاحظ غیرُ المسلمین هذا الاكتمال منذ القدم حتى قال یهودي لسلمان الفارسي القول المشهور: “قد علمكم نبیكم كل شيء حتى الخراءة!” فأكد سلمان قوله وقال: “أجل، لقد نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْیَمِینِ، أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِیعٍ أَوْ بِعَظْمٍ”. العنصر الثاني: المخالب أي أنه دین له مخالب یوقظ روح العزة فیمن یحمله ویضع بذور المقاومة والإباء ضد كل معتدٍ علیه أو على حاملیه، إنه دین یجعل بدایة الحیاة الحقیقیة یوم یموت المرء في سبیل الله، قال تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُواْ فِي سَبِیلِ اﻟّلهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْیَاء عِند رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ). دین یصوغ منظومة القیم في قلوب أبنائه لیصبح الموت أهون من ضیاع الدین والعرض. ولذلك شنوا ما یمكن تسمیته بـ”الحرب على الجهاد” أو ما سموه هم “الحرب على الإرهاب”، وبدؤوا في نشرِ تُهمٍ ومصطلحات تخلق حاجز صد بین الجماهیر وبین هذا العنصر مثل: الإرهاب – تكریس الكراهیة – الدعوة للعنف الخ …. في وقتٍ استخدموا هم فیه كل وسائل الإرهاب والعنف والتكریس للكراهیة في حربهم مع الشعوب تحقیقًا لأغراضهم ومصالحهم! إنك حین ترجع لما یكتبونه ستجد أن جملة (الحرب على الإرهاب) لیست مختصة فقط بالمواجهة العسكریة مع جماعات مسلحة بعینها، فكثیر من استراتیجیات الحرب على الإرهاب هي في الأساس فكریة ولیست عسكریة، كما أنها لا تستهدف فقط مواجهة (الرادیكالیین أو المتشددین) كما یسمونهم، بل تستهدف بصورة أساسیة التوجیه الفكري لعموم الشعوب. وتعریف أعدائنا للإرهاب تجاوز التعریف التقلیدي حتى صار وصفًا على كل مسلم یقف أمام مصالحهم الاستعماریة وأفكارهم المشوهة، فمواجهتك لمصالحهم ولو فكریًا تجعلك في زمرة من سموهم “الإرهابیین أعداء الحداثة والحریة”! العنصر الثالث: الانتشار أي ما یتصف به الإسلام من سرعة انتشار وتمدد، وذلك یرجع لسببین: السبب الأول: أن الإسلام نفسه كدین یحمل عوامل انتشاره وتمدده، فهو دین الفطرة كما قال تعالى: (فِطْرَةَ اﻟﻠﮧَِّ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا). السبب الثاني: هو أن المسلم یحمل عقلیة الانتشار والتوسع، فإن الإسلام یزرع في أبنائه هذه العقلیة، ویحثهم على إبلاغ الدعوة بالقول والفعل، وقول الله تعالى لنبیه صلى الله عليه وسلم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِینَ) لیس مجرد خبر بل فیه معنى تكلیفي، فكل حامل لهذا الدین علیه واجب الدعوة بما یستطیع حتى تصل دعوة هذا الدین للعالمین، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه فقال: “بلغوا عني ولو آیة”، وإن من حِكم جهاد الطلب أو “الفتوحات” هو مواجهة أولئك الذین یقفون حاجز صد أمام بلوغ هذه الدعوة للشعوب والأمم. ولذلك واجهوا هذا العنصر بما یمكن تسمیته “مقاومة انتشار الإسلام”، وقد صدرت عدة دراسات وأبحاث وتقاریر استخباراتیة وإعلامیة ترصد ظاهرة انتشار الإسلام وتحذر من عواقبها وتضع التوصیات لمواجهتها، بعض هذه الدراسات ذكرت أن الإسلام صار أسرع الأدیان انتشارًا في العالم كله، وكان المفزع لهم هو أن هذا الانتشار یقع بالأساس في الغرب! كما كان من أسالیبهم لمواجهة هذه الظاهرة هو ابتداع فكرة مؤتمرات حوار الأدیان التي أرادوا من خلالها التأسیس لمبدأ البحث عن “المشتركات” بدلًا عن “المتناقضات”، وإعلاء الحوار القائم على المجاملات المتبادلة بدلًا عن مقارعة الحجة بالحجة والبحث عن الحقیقة، وبذلك تُضرب فكرة الدعوة للإسلام ویصبح في مقابلها فكرة أخرى براقة سموها “التعایش المشترك” مع إقصاء الدین تمامًا، وهم لم یفعلوا ذلك إلا تجریدًا للإسلام من أحد عوامل قوته الكبرى وهروبًا من مواجهته في ساحة هم موقنون بالهزیمة فیها أمامه.. ساحة (الدعوة). ومن حربهم كذلك وسعیهم للحد من فاعلیة انتشار الإسلام أنهم یدعمون في الغرب توجهات فكریة محددة داخل الإطار الإسلامي العام بحیث یضمنون أن انتشار الإسلام في الغرب یتم توجیهه في اتجاه فكري محدد سهل الاحتواء كالصوفیة أو “سلفیة ولي الأمر”، ولذلك تجد انتشار هذین التیارین كبیرًا جدًا بین المسلمین الجدد في أوروبا وأمریكا. العنصر الرابع: أخوّة الإسلام الحج أكبر مثال على وحدة المسلمين. إن الأخُوّة التي قررها الإسلام بین المسلمین وقدمها على أي رابط آخر هي مما میز الإسلام كدین ومیز المسلمین، هذه الأخوّة هي بالنسبة لأعدائنا كارثة حقیقیة، والشعوب كلها تحفظ قاعدة الاحتلال الشهیرة: (فرّق تسد). فبالإضافة لما في الإسلام من قوة فإنه كذلك یمثّل وحدة الشعوب في أخطر وأهم منطقة في العالم وهذا یزید من خوفهم من الإسلام. ستدرك أن تقسیم الشعوب المسلمة خاصة في منطقة ما یسمى الشرق الأوسط هو هدف استعماري قدیم، فاجتماع شعوب هذه المنطقة وامتلاكها للزمام فیها یعني وجود قوة في العالم منقطعة النظیر لما للمنطقة من ممیزات ذكرناها، والتاریخ یشهد على خطورة توحد هذه المنطقة، فقد كان العالم كله یُحكَم منها، وإذا سألت نفسك ما هو الشيء المشترك بین شعوب هذه المنطقة الذي یمكن أن تتحد من خلاله ستجده الإسلام! هذا الدین الذي أرسى قاعدة خالدة مفادها أن المؤمنین إخوة، وأن رابط الدین یعلو كل الروابط الأخرى، وأن تفضیل وتقدیم أي رابط على رابط الدین هو وقوع صریح في فعل من أفعال الجاهلیة! كما أن أي رابط غیر الدین یعني أن شعوب هذه المنطقة ستظل في شتات وتفرق إلى یوم القیامة! ولذلك كان السعي الدائم من أعدائنا لاختلاق روابط أخرى تعلو فرق رابط الدین عند الشعوب كرابط الوطنیة المبني على الحدود التي رسمها المستعمر، فهي روابط تفرق الأمة الواحدة. وهذا ما نراه الیوم للأسف فقد صارت الشعوب في تناحر وعداوة وسباب متبادل ناسین أن الإسلام یجمعهم جمیعًا وأن الاحتلال هو الذي رسم تلك الحدود التي یعادي بعضهم بعضًا بسببها! إنك إذا تأملت عناصر القوة الأربعة التي ذكرناها ستجد أنها أهم عناصر قیام الإمبراطوریات، وهذه هي نظرتهم السیاسیة للإسلام، فأي إمبراطوریة قامت احتاجت إلى ثقافة مكتملة ورابط راسخ بین شعبها وقوة ومخالب وسعي للانتشار والتوسع، غیر أن الإمبراطوریات توظف ذلك في تحقیق مطامعها، وأما الإسلام فمع امتلاك مقومات قیام الإمبراطوریات إلا أنه دین یحمل رسالة عنوانها تحریر الخلق لا استعبادهم، وإرساء العدالة والإصلاح لا الظلم والإفساد. إن الأسباب كثرة حول هذا الموضوع الهام جدا، وهذا الكتاب يبحث في هذه الأسباب بكل حيادية وموضوعية.. .
إقرأ المزيد