كتاب الفكر البري PDF كلود ليفي شتراوس : في هذا الكتاب يريد كلود ليفي ستراوس أن يدهش. فهنا يبدو مدار المعارف البشرية وقد انغلق على نفسه بالتقاء السحر والعلم في لغة المعلوماتية الحديثة ثم في كتابة ستراوس نفسها التي تبدو مرآة لهذا الالتقاء الغريب فتمتزج الأشياء وتتطابق وتدور الرموز والكلمات في أبراج تحكي عن اتحاد "البدائي" "بالمعاصر" والإنسان بالكون والذهن في المادة... فيطرد الزمان وتتحول الأساطير والطقوس إلى فضاء من التصنيفات المنطقية. ثم أن تقسيمات العلوم تنهار شيئاً فشيئاً لتبدو الاتنولوجيا وكأنما تجمع خبرات المجتمعات النيولتية واكتشافات المجتمعات الحديثة، منجذبة إلى علوم الإنسان والفيزياء موحدة إياها في لغة اللغات: المنطق. من هنا تبدو كتابة ستراوس ذات أبعاد خاصة فهي لا تسعى إلى إقناع متدرج بقدر ما تعتمد على تولد القناعات بانجذاب الذهن إلى عالم النص ولغته. غير أن هذا "الانجذاب الجميل" حين يتم ويحضر الذهن أمام ذاته يجد نفسه وقد خدع: فعندما تتحول جميع الأشياء إلى روابط منطقية يتحول المنطق إلى لا شيء أو إلى تحولات منفكة عن الكائنات التي تتحول: يختزل ستراوس علم "البدائيين" الإحساسي وخبرهم إلى الأسطورة والسحر، ثم يختزل الأسطورة إلى روابط الذهن روابط دونما وجودات تترابط، فتستوي الأشياء وتبدو حياة البدائيين مرآة مصقولة لا تحكي عن نفسها بل عن ذات الغرب وعلمه. إلا أن الخدعة وقد تكون انخداعاً -لا تغيب الأشياء فقط بل إنها تغيب الحاضر منها وتستحضر الغائب إنها "سحر"، لذلك لا يلتقط ستراوس علم البدائيين وخبرهم إلا حين يتحول إلى سحر ويدخل منطقهم في أطر "الأسماء" الفارغة التي تجمد حركة الكون. فلنصغ إذن إلى "البدائيين" وراء الخطاب الانتروبولوجي، فندرك حديث فطرتهم وهو مكمن عظمتهم ولنر مرايا سحرهم وكيف يدور أمرهم متجاذبين بين توحيد الموجودات وفراغ "الأسماء". يتلاشى "العلم الإحساسي" المبدع في سحر "الأسماء" الفارغة، ذلك العلم الإحساسي أو "الذوق" الفطري الذي يستطيع أن يعاين توحد الكائنات دونما التغاضي عن كثرتها وأن يلتقط علاقاتها معيناً تمايزها دون أن يغفل تشخصها فينفذ من نسبها إلى أصالتها فتظهر طرية شفافة مليئة بالرموز ثم يعبر من ماهياتها وأسمائها إلى حركاتها فيرى وحدتها ومراتبها واشتدادها وضعفها.
إقرأ المزيد