كتاب الجزية في الإسلام للسقار PDF امير بن محمد المدري : الجزية ما يعطيه أهل الذمة من المال، في مقابل حمايتهم والدفاع عنهم. والجمع الجزى، وهي فعلة من الجزاء؛ ومنه الحديث: ليس على مسلم جزية؛ أراد أن الذمي إذا أسلم وقد مر بعض الحول لم يطالب من الجزية، أعفى الإسلام من أداء الجزية النساء والصبيان والمساكين والرهبان وذوي العاهات، فلا تجبى الجزية من امرأة ولا فتاة، ولا صبي، ولا فقير، ولا شيخ، ولا أعمى، ولا أعرج، ولا راهب، ولا مختل في عقله. بل زاد الإسلام فتكفل بالإنفاق على من شاخ وعجز من أهل الذمة. الجزية كانت غالباً مبلغ ثابت كان يُقدَّر حسب حالتهم الاقتصادية. قوله تعالى: «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر» لما حرم الله تعالى على الكفار أن يقربوا المسجد الحرام، وجد المسلمون في أنفسهم بما قطع عنهم من التجارة التي كان المشركون يوافون بها، قال الله عز وجل: «وإن خفتم عيلة» [التوبة:28] (الآية). على ما تقدم. ثم أحل في هذه الآية الجزية وكانت لم تؤخذ قبل ذلك، فجعلها عوضا مما منعهم من موافاة المشركين بتجارتهم. فقال الله عز وجل: «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر» الآية. فأمر سبحانه وتعالى بمقاتلة جميع الكفار لإصفاقهم على هذا الوصف، وخص أهل الكتاب بالذكر إكراما لكتابهم، ولكونهم عالمين بالتوحيد والرسل والشرائع والملل، وخصوصا ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وملته وأمته. فلما أنكروه تأكدت عليهم الحجة وعظمت منهم الجريمة، فنبه على محلهم ثم جعل للقتال غاية وهي إعطاء الجزية بدلا عن القتل. وهو الصحيح. قال ابن العربي: سمعت أبا الوفاء علي بن عقيل في مجلس النظر يتلوها ويحتج بها. فقال: «قاتلوا» وذلك أمر بالعقوبة. ثم قال: «الذين لا يؤمنون» وذلك بيان للذنب الذي أوجب العقوبة. وقوله: «ولا باليوم الآخر» تأكيد للذنب في جانب الاعتقاد. ثم قال: «ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله» زيادة للذنب في مخالفة الأعمال. ثم قال: «ولا يدينون دين الحق» إشارة إلى تأكيد المعصية بالانحراف والمعاندة والأنفة عن الاستسلام. ثم قال: «من الذين أوتوا الكتاب» تأكيد للحجة، لأنهم كانوا يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل. ثم قال: «حتى يعطوا الجزية عن يد» فبين الغاية التي تمتد إليها العقوبة وعين البدل الذي ترتفع به. وقال القرطبي كذلك: "قال علماؤنا: الذي دل عليه القرآن أن الجزية تؤخذ من المقاتلين، وهذا إجماع من العلماء على أن الجزية إنما توضع على جماجم الرجال الأحرار البالغين، وهم الذين يقاتلون دون النساء والذرية والعبيد والمجانين المغلوبين على عقولهم والشيخ الفاني". وقد ذكر الرزاي أيضا في تفسيره للآية المذكورة في الأعلى: قال الواحدي: الجزية هي ما يعطي المعاهد على عهده، وهي فعلة من جزى يجزى إذا قضى ما عليه، واختلفوا في قوله: {عن يد} قال صاحب الكشاف قوله: {عن يد} إما أن يراد به يد المعطي أو يد الآخذ، فإن كان المراد به المعطي، ففيه وجهان: أحدهما: أن يكون المراد {عن يد} مؤاتية غير ممتنعة، لأن من أبى وامتنع لم يعط يده بخلاف المطيع المنقاد، ولذلك يقال: أعطى يده إذا انقاد وأطاع، ألا ترى إلى قولهم نزع يده عن الطاعة، كما يقال: خلع ربقة الطاعة من عنقه. وثانيهما: أن يكون المراد حتى يعطوها عن يد إلى يد نقدا غير نسيئة ولا مبعوثا على يد أحد، بل على يد المعطي إلى يد الآخذ. وأما قوله: {وهم صاغرون} فالمعنى أن الجزية تؤخذ منهم على الصغار والذل والهوان بأن يأتي بها بنفسه ماشيا غير راكب، ويسلمها وهو قائم والمتسلم جالس. ويؤخذ بلحيته، فيقال له: أد الجزية وإن كان يؤديها ويزج في قفاه، فهذا معنى الصغار. وقيل: معنى الصغار هاهنا هو نفس إعطاء الجزية، وللفقهاء أحكام كثيرة من توابع الذل والصغار مذكورة في كتب الفقه. وقد جاء في تفسير البغوي بخصوص الآية المذكورة بالأعلى: قال الله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} فإن قيل: أهل الكتاب يؤمنون بالله واليوم الآخر؟ قيل: لا يؤمنون كإيمان المؤمنين، فإنهم إذا قالوا عزير ابن الله والمسيح ابن الله، لا يكون ذلك إيمانا بالله. {ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق} أي: لا يدينون الدين الحق، أضاف الاسم إلى الصفة. وقال قتادة: الحق هو الله، أي: لا يدينون دين الله، ودينه الإسلام. وقال أبو عبيدة: معناه ولا يطيعون الله تعالى طاعة أهل الحق. {من الذين أوتوا الكتاب} يعني: اليهود والنصارى. {حتى يعطوا الجزية} وهي الخراج المضروب على رقابهم، {عن يد} عن قهر وذل. قال أبو عبيدة: يقال لكل من أعطى شيئا كرها من غير طيب نفس: أعطاه عن يد. وقال ابن عباس: يعطونها بأيديهم ولا يرسلون بها على يد غيرهم. وقيل: عن يد أي: عن نقد لا نسيئة. وقيل: عن إقرار بإنعام المسلمين عليهم بقبول الجزية منهم، {وهم صاغرون} أذلاء مقهورون. قال عكرمة: يعطون الجزية عن قيام، والقابض جالس. وعن ابن عباس قال: تؤخذ منه ويوطأ عنقه. وقال الكلبي: إذا أعطى صفع في قفاه. وقيل: يؤخذ بلحيته ويضرب في لهزمتيه. وقيل: يلبب ويجر إلى موضع الإعطاء بعنف. وقيل: إعطاؤه إياها هو الصغار. أما دليل شرعيتها من السنة النبوية؛ ما جاء في صحيح البخاري: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا هلال بن العلاء الرقي، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا المعتمر بن سليمان، حدثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي، أنا بكر بن عبد الله المزني، وزياد بن جبير، عن جبير بن حية، فذكر الحديث الطويل:. " فأمرنا نبينا رسول ربنا ﷺ أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا رسول الله ﷺ عن رسالة ربنا، أنه من قتل منا صار إلى الجنة ونعيم لم ير مثله قط، ومن بقي منا ملك رقابكم. في العصور الحديثة لم تعد الجزية أو وضعية أهل الذمة تفرض على الأقليات غير المسلمة وفي الدول ذات الأغلبية المسلمة. في القرن الحادي والعشرين، يُنظر إلى الجزية على نطاق واسع على أنها تتعارض مع المفاهيم العلمانية المعاصرة للحقوق المدنية للمواطنين والمساواة أمام القانون، على الرغم من وجود تقارير عن إجبار الأقليات الدينية في مناطق النزاع والمناطق الخاضعة لعدم الاستقرار السياسي على دفع الجزية. في عام 2009، قيل أن مجموعة من المسلحين الذين أشاروا إلى أنفسهم باسم طالبان قد فرضوا ضريبة الجزية على الأقلية السيخية في باكستان بعد احتلالهم لبعض المنازل التابعة للطائفة السيخية واختطاف أحد زعماء السيخ. في فبراير من عام 2014، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أنها تعتزم على فرض ضريبة الجزية على المسيحيين في مدينة الرقة في سوريا، والتي تسيطر عليها. فرض على المسيحيين الذين رفضوا قبول وضعية أهل الذمة ودفع الضريبة إما أن اعتناق الإسلام أو المغادرة أو الإعدام. فرض على المسيحيين الأثرياء دفع نصف أوقية من الذهب، أي ما يعادل 664 دولارًا أمريكيًا مرتين في السنة؛ في حين فرض على المسيحيين من الطبقة المتوسطة دفع نصف هذا المبلغ، بينما فرض على الفقراء المسيحيين دفع ربع هذا المبلغ. وفي يونيو، ذكر معهد دراسة الحرب أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تدعي أنها جمعت الجزية. وفي 18 يوليو من عام 2014، أمر داعش المسيحيين في الموصل بقبول عقد الذمة ودفع الجزية أو اعتناق الإسلام. وإذا رفضوا قبول أيٍّ من الخيارات الثلاثة فسوف يُقتلون. في هذا الكتاب تفصيل أكثر حول هذه المسألة المهمة المتعلقة بأهل الذمة... .
إقرأ المزيد