كتاب صحراء بلا ابعاد PDF عبد الله القصيمي : إن التحدث عن الأشياء بلا رسالة، إن التحديق الطويل التائه في الأفق البعيد، في الأفق المطلق حيث لا شيء، هما التفسير الكامل لمعنى الكاتب. إن الكاتب هو والتحديق بلا أفق، بلا رسالة. إنه لمحتوم على المجتمع أن يقيم معارضة من نفسه ضد نفسه. إن الكتّاب هم دائماً أركان هذه المعارضة.. إن في تصميم كينونتهم أن يعارضوا كل الأشياء المتقررة المتجددة، من الحقائق والأفكار والمذاهب. من الرجال والنظم والتقاليد والعقائد. إن في بنية الأشياء، كل الأشياء، أن تحافظ على وجودها، أن تقاوم عوامل التغير، إن المفروض أن يكون عمل الكتّاب قلقلة هذه الأشياء، وحثها على الحركة والتغير، أو على الزوال. إن موضوع الكاتب هو حياة الإنسان وكل ما له علاقة بحياته أو تأثيرها عليها. إنه ينتقدها ليطورها ويهذبها لأنه رسول يدعو إلى عالم أفضل. إننا لا نستطيع أن نفترض الكاتب شيئاً ما غير أن نفترضه رسولاً... ولكن الكاتب في أكثر الظروف لا يحمل رسالة رسول، إنه لا يحمل رسالة ما. إنه مدّاح، أو متلائم، أو مصلٍّ في المعبد الذي يصلي فيه السلطان أو تتجمع فيه أقدم وأقوى الأوثان. إنه إما عابد للسلطان والخليفة، أو عابد للتاريخ والسوق. ماذا يكتب..؟ إنه لا يريد أن يتعب نفسه أو يتعب جمهوره. لقد تحول إلى قارع طبول، إلى منشد، إلى خطيب في معبد تاريخي أو حكومي. لقد وجد جماهير غافلة متفائلة، راضية عن نفسها وعن ضعفها، عن أمسها وعن يومها وعن غيرها...، عن معلميها، عن قبورها... عن كل آلامها. وجدها تعيش كل الغباء، كل الهوان دون أن تبكي أو تعصي أو تلعن. وجدها مصدقة لا تعرف الشك ولا تريده، وجدها فاقدة لكل مزايا النقد، وجدها تملك أحقاداً وأوهاماً صغيرة نبيلة، فلم يحاول أن يرهق نفسه، أو يورطها في أن يخالف هذه الجماهير أو يعلمها أو يصطدم بها. إنه لم يحاول أن يفجع هذه الجماهير. لقد كان في سلوكه هذا كذاباً لا نبيلاً...". بمثل هذه الرؤية وبمثيلات لها تضج مقالات عبد الله القصيمي وكأن هذه الرؤية ومثيلاتها ما هي إلا صرخات تعلو منه في محاولة لتغيير الذات العربية الخاضعة الخانعة. إنه ينادي بالتجديد على أصعدة مختلفة، إنه ينادي بالاستيقاظ من هذا النوم البليد الذي تغط فيه الأمة العربية، من أجل ذلك يحاول القصيمي في مقالاته هذه تصوير المجتمع العربي بكل نقائصه منتقداً، متسائلاً، مستنكراً، ومن ثم مستثيراً الهمم، ومحركاً القول لفتح آفاق فكرية جديدة تستطيع الأمة العربية من خلالها صنع حاضر مشرف والتطلع إلى مستقبل أفضل. ستكون في خلاف مع القصيمي في بعض استرسالاته، إلا أنك ستوافق معه في العديد من أفكاره. معلناً بأنه صوت تحتاجه الأمة في محنتها في يومنا هذا كما في محنتها في أمسها. نبذة الناشر: لا تستطيعان تمسك به، فهو صراخ يقول كل شيء ولا يقول شيئا.. يخاطب الجميع، ولا يخاطب أحداً إنه الوجه والقفا.. ثائر ومتلائم.. ملتزم وغير ملتزم.. برئ وفتاك.. مسكون بشحنة الاحتجاج.. متناقض ومنطقي.. شعري وعقلاني.. معتم وصاف، كأنه الرمل وقطر المطر. إنه صرخة خلاص من الأقنعة وسفر إلى الأطراف القصوى. هكذا تتقاطع في صوته أصداء كثيرة: من هراقيطس حتى العبثية المعاصرة مروراً بنيتشه وماركس. لكنه يبقى عربياً، أصيل النبرة والبعد، نفاذاً الحضور، حتى لصعب أن يوصف العربي الذي لا يقرؤه بأنه مثقف أو بأنه يحيا على هذه الأرض العربية الرائعة في المضطربة في هذه الحقبة الرائعة المضطربة. عبد الله القصيمي، في الفكر العربي، حدث ومجيء.. حدث لأن صوت هذا البدوي الآتي من تحت سماء المدينة ومكة، صوت هائل فريد.. ومجيء لأن في هذا الصوت غضب الرؤيا والنبوة.
إقرأ المزيد