كتاب الناصر لدين الله أول خليفة في الأندلس PDF ماء العينين القلقمي : أمير المؤمنين أبو المُطرّف عبد الرحمن الناصر لدين الله (ولد 11 يناير 891م / 277 هـ -وتوفي 15 أكتوبر 961م / 350 هـ) هو ثامن حكام الدولة الأموية في الأندلس التي أسسها عبد الرحمن الداخل في الأندلس بعد سقوط الخلافة الأموية في دمشق، وأول خلفاء قرطبة بعد أن أعلن الخلافة في قرطبة في مستهل ذي الحجة من عام 316 هـ، والمعروف في الروايات الغربية بعبد الرحمن الثالث تمييزًا له عن جديه عبد الرحمن بن معاوية (عبد الرحمن الداخل) وعبد الرحمن بن الحكم (عبد الرحمن الأوسط). استطاع عبد الرحمن الناصر إخماد التمردات الداخلية على سلطة الدولة، فاستعاد هيبة الدولة وبسط سلطته على كافة أنحاء دولته، بعد أن كانت سلطة الدولة قد انحصرت في عهد سابقيه في قرطبة ونطاق ضيق حولها. كما حافظ على حدود الدولة الخارجية عن طريق تحقيق انتصارات عسكرية على الممالك المسيحية المجاورة في الشمال، مما أنهى أطماع تلك الممالك في التوسع جنوبًا. لم تقتصر مساعي عبد الرحمن الناصر في الحفاظ على حدود دولته على مجابهة الممالك المسيحية في الشمال، بل استطاع تأمين حدوده الجنوبية عن طريق السيطرة على الموانئ المقابلة للأندلس في بر المغرب وتقديم الدعم المادي والعسكري لبعض أمراء المغرب لصد مساعي الفاطميين للتوسع غربًا. وبفضل الاستقرار السياسي والمغانم العسكرية، انتعشت الأندلس في عهد الناصر اقتصاديًا وعسكريًا، مما جعل الأندلس وجهة للبعثات الدبلوماسية من أقطار مختلفة تسعى لخطب ود أو طلب الدعم من عبد الرحمن الناصر. كان هناك خطر خارجي آخر يهدد عبد الرحمن بن محمد في ملكه، ألا وهو الفاطميين شيعيي المذهب الذين نجحوا في تأسيس مملكة في إفريقية واستطاعت التوسع شرقًا فضموا مصر وغربًا حتى المغرب، بل وأعلنوا قيام خلافة جديدة أساسها المذهب الشيعي تحت اسم الخلافة الفاطمية، وهو ما مثل تهديدًا عسكريًا ودينيًا للأمويين بصفة خاصة والأندلس بصفة عامة. وأمام التهديد العسكري الذي شكله الفاطميون في مواجهة عبد الرحمن، ودعوتهم لنشر المذهب الشيعي في ظل ضعف الخلافة العباسية في بغداد وانحصار سلطتها في دائرة صغيرة حول بغداد، رأى عبد الرحمن أنه الأحق والأجدر بسمة الخلافة من دولة وأخرى طارئة. وفي يوم الجمعة الثاني من ذي الحجة من عام 316 هـ، أمر عبد الرحمن بأن يُخاطب بصفة رسمية بلقب أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر لدين الله القائم بأمر الله ثم اقتصر على الناصر لدين الله، ودعى له القاضي أحمد بن أحمد بن بقي بن مخلد على منبر المسجد الجامع في قرطبة بذلك، وأمر عبد الرحمن ولاته وقادته في المدن والكور بأن يعلنون ذلك المرسوم، ومنذ ذاك الحين ضربت ألقاب الخلافة على النقود. استغل بعض ثائري الأندلس على حكم الأمويين في الأندلس وعلى رأسهم عمر بن حفصون تلك الفرصة، ودارت بينهم وبين الفاطميين مراسلات أفضت إلى بعض التحالفات بين الطرفين. لجأ عبد الرحمن إلى حلين لإيقاف هذا الخطر الذي قد يدهم الأندلس في أي لحظة. كان أولهما أن احتل مرفأ مليلة عام 314 هـ، وأقام عليه حاكمًا من قبله ينتمي لقبائل مكناسة. كما أمر عبد الرحمن أميري البحر أحمد بن محمد بن إلياس وسعيد بن يونس بن سعديل بالتوجه بأسطول من مائة وعشرين سفينة تحمل سبعة الآف مقاتل لاحتلال مدينة سبتة، فاستولى هذا الأسطول على المدينة في جمادى الآخر من عام 319 هـ، ليقطع السبيل أمام أطراف المؤامرة التي حاكها الثائرين مع حلفائهم الفاطميين، وليمنع أي خطر قد يهدد الأندلس من الجنوب. ثم بعث عبد الرحمن رسله إلى صاحب طنجة يطالبه بتسليم المدينة، غير أنه رفض ذلك، فأمر عبد الرحمن أسطولة بمحاصرة طنجة، حتى أعلن صاحب طنجة استسلامه وسلم المدينة للأسطول الأندلسي. ومن ناحية أخرى، عقد عبد الرحمن مجموعة من التحالفات مع بعض أمراء البربر المعادين للفاطميين فدخلوا في طاعة عبد الرحمن الناصر، فبسط بذلك عبد الرحمن سلطانه على أجزاء كبيرة من المغرب، خاصة مع دخول موسى بن أبي العافية أمير مكناسة في طاعة عبد الرحمن. وفي ظل تلك العلاقات الطيبة بين عبد الرحمن وأمراء البربر، أمدّ عبد الرحمن أمير مكناسة بالمال والسلاح، فاستطاع ابن أبي العافية أن يهزم جيشًا أرسله عبيد الله الفاطمي لغزو المغرب عام 321 هـ. بعد تلك الهزيمة، جهز الفاطميون جيشًا أكبر ووجهوه لقتال ابن أبي العافية عام 323 هـ، فلم يستطع ابن أبي العافية الصمود أمام ذلك الجيش وفرّ إلى الصحراء، واستنجد بعبد الرحمن الناصر الذي أمدّه بأسطول من أربعين سفينة محملة بالرجال والعتاد فنزل سبتة، فاستطاع موسى بن أبي العافية أن يرد جيش الفاطميين مرة أخرى من حيث أتى. ظل عبد الرحمن وحلفاؤه في المغرب في حالة حرب مع الفاطميين وحلفاؤهم الأدارسة إلى أن طلب الأدارسة الصلح مع عبد الرحمن والدخول في طاعته عام 332 هـ، بعدما تبين لهم أن الغلبة ستكون تحت لواء عبد الرحمن. ومنذئذ، دُعي للخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله على منابر المساجد في المغرب، وهو بمثابة اعتراف بكونه الخليفة الشرعي الذي يدينون إليه بالولاء. ورغم انضواء الأدارسة تحت لواء عبد الرحمن، إلا أن الفاطميين ظلوا على عدائهم لعبد الرحمن وحلفاؤه. ففي عام 344 هـ، هاجمت بعض سفن الفاطميين شواطئ ألمرية، وعاثت فيها فسادًا، فأمر عبد الرحمن أمير البحر غالب بالتحرك في أسطول إلى شواطئ إفريقية ومهاجمتها ردًا على هجوم الفاطميين. وفي عام 347 هـ، وجّه عبد الرحمن أسطولاً آخر بقيادة أحمد بن يعلى لمهاجمة شواطئ إفريقية، فردّ الفاطميون هذا التهديد بجيش ضخم بقيادة جوهر الصقلي تسانده قبائل صنهاجة البربرية، زحف به جوهر إلى المغرب، واكتسح به شمال المغرب إلى المحيط. أثار هذا الهجوم الكاسح قلق عبد الرحمن، فأمر أساطيله بأن تكون على أهبة الاستعداد لصد أي محاولة للعبور إلى الأندلس، كما أمر أحد أساطيله بالتحرك إلى سبتة، ليكون كخط دفاع أول في حالة أي هجوم، وقد لبث ذاك الأسطول في سبتة إلى أن عاد الفاطميون أدراجهم. .
إقرأ المزيد