كتاب البرهان في ترتيب سور القرآن ط المغرب PDF احمد عبد المعطي حجازي : 1990م - 1443هـ يعتبر هذا الكتاب أول كتاب فريد في بابه، كشف فيه مؤلفُه عن نوعٍ من إعجاز القرآن، القائم على ترابُط أجزائِه وتلاحُم آياته وتناسُق سُوره. وقد تساءل ابن الزبير رحمه الله وغيرُه عن كيفية ترتيب القرآن الكريم: هل كان بتوقيف من الشارع، أم أنه كان عملاً من أعمال الصحابة ليس إلا؟ فوضعَ كتابَه ليُجلِّي هذه المسألة. [المقدمة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وسلم تسليماً قال الشيخ الإمام، العالم العَلَم الأوحد الصدر الجليل، المحدث الناقد المحقق، حبر التأويل وكاشف أسرار التنزيل، أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي العاصمي - رحمه الله - الحمد لله الحكيم العليم، العلي العظيم، ذي الفضل العميم والجود القديم، الذي ابتدأ الإنسان بالنعم فُرادى ومثنى، وخلقه في أحسن تقويم بعد كونه نطفة من مني تُمنى، وخصه بمزية التشريف والتكريم، أهّله لتلقي خطابه، وهيأه لتحمل فرقانه العزيز وكتابه، وقد قال سبحانه فيه: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) . والصلاة على محمد نبيه المعظم ورسوله المصطفى المكرم، المخصوص بالكتاب، والفاتح لأولي البصائر - بما أيد به من الأعلام الباهرة والحجج القاطعة القاهرة - مستغلق ذلك الباب، فأوضح السبيل للسالك، فلن يهلك على الله بعد بيانه إلّا هالك، وأنى بسلوك ذلك الباب لمن حقت عليه كلمة العذاب، وقد قال سبحانه: (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) . وبعد، فإني اعتبرت قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ما من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ". وتأملت ما أيد به عليه السلام من المعجزات سوى القرآن، فإذا بدروب لا يحصيها العد، ولا كاد تنحصر بالحد، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "وإنما كان الذي أوتيت وحياً" يشير إلى دليل القرآن، وما خص به - صلى الله عليه وسلم - من ساطع ذلك البرهان، وما ذاك إلا لكون معجزته أوضح وأحكم، وأهدى وأقوم، فإنما ضمنت إلى - الدلالة والشهادة إيضاح الطربق وأعلمت بحال كل فريق، ثم زادت بنقائها للمعتبر ومشاهدتها للمدَّكر، وقد اضطر من تأخر فيما سواها للخبر، وليس كالعيان، فلله ما أعظمها معجزة باقية مدى الدهور والأزمان، وللمشاهدة حال لا ينكر وتعريف لا يتنكر، وفرق بين ما عرف بالمشاهدة وبين ما علم بالدليل، وحسبك سوال نبي الله الخليل. فالحمد لله الذي جمع لهذه الأمة الأمرين وخصها بالاعتبارين، فمن معجزات نبينا - صلى الله عليه وسلم - المستوضح اعتبارا بالبيان، والمشاهد حسا بالعيان، وكما أن من تعامى في حياته - صلى الله عليه وسلم - عن نبع الماء من بين أصابعه وغير ذلك من معجزاته ملوم مدحور، مأزرر غير مأجور، فكذلك من تعامى عن آيات الكثاب وكأن لم يقرع أذنه قارع من هذا الباب، ولهذا نبه تعالى بقوله: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ"، وبقوله: "كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ"، وجهات اعتباره كثيرة، ولسلف هذه الأمة وخلفها مسالك في ذلك شهيرة. وإني تأملت منها - بفضل الله - وجوه ارتباطاته وتلاحم سوره وآياته إلى ما يلتحم مع هذا القبيل عجائب شواهد التنزيل فعلقت في ذلك ما قدر لي "ثم قطعت بى قواطع الأيام عن تتميم رومى من ذلك وعملي، فاقتصرت بحكم الاضطرار في هذا الاختصار على توجيه ترتيب السور، وإن لم أر في هذا الضرب شيئا لمن تقدم وغبر، وإنما بدر لبعضهم توجيه ارتباط آيات في مواضع مفترقات، وذلك في الباب أوضح، ومجال الكلام فيه أفسح وأسرخ. أما تعلق السور على ما ترتبب في الإمام، واتفق عليه الصحابة الأعلام فمما لم يتعرض له فيما أعلم، ولا قرع أحد هذا الباب ممن تأخر أو تقدم، فإن صلى أحد بعد فهذه الإقامة، أو أتمَّ فمرتبط حتما بهذه الإمامة، فإن أنصف فلابد أن ينشد إذعانا للحق وإنابة: فلو قَبل مبكاها بَكت صبابة ولما كمل لي بفضل الله الأمل من جليل هذا العمل، غريبا في بابه، رفيعا في نصابه، موفى التحرير، معدوم النظير، تحصل بمطالعته العلم اليقين، ويفصح بشهادته أن العاقبة للمتقين، والله ينفع فيه بالنية من مرضاته الأُمنيَّة بمنه ويمنه. .
إقرأ المزيد