كتاب التراث والعلمانية البنى والمرتكزات، الخلفية والمعطيات PDF صالح سعيد بوحليقة : 2009م - 1443هـ يتحدث الدكتور (عبد الكريم سروش) في كتابه (التراث والعلمانية) عن شجون العلمانية، والأسئلة المطمورة في ثنايا التراث في عملية تحريك المفاهيم، وإذكاء فاعلية العقل المسلم، ليكون قادراً على مواجهة التحديات الصعبة التي يفرضها الواقع دون السقوط في حصار التهويمات الأيديولوجية والمطلقات الخاوية. التراث الديني والعالم الجديد يشير في الفصل الأول إلى حقيقة عصر الحداثة، وذلك من خلال الكشف عن الأطر الجوانية التي تشكل أنساقاً تحتية للعالم الجديد ومقارنتها بآليات وتصورات العالم القديم للانطلاق في مواجهة الحداثة من موقع الوضوح في الرؤية، مؤكداً أن الفوارق بين العالم القديم والحديث لا تنحصر في الوسائل والأدوات كما يتوهم البعض، بل تتعدى إلى المفاهيم والتصورات والتصديقات وضرورة التأسيس لوعي جديد على أساس ترتيب العلاقة مع الماضي واستشراف آفاق المستقبل من خلال فضح البداهات وتعرية المسبوقات التي تتوارى خلف الكليات والمتعاليات. فالعالم الجديد اليوم يمتلك معنى آخر للحياة، والناس يعيشون باتجاه غايات أخرى، هذه الغايات والأهداف التي تشيعها وسائل الإعلام بين الناس تتركز حول اللذة والنشوة في الحياة، فنستهلك أكثر، ونشتري أكثر، ونلبس أفضل، ونغفل أكثر. مشيراً إلى أن الغفلة التي هي من عجائب العالم الجديد أضحت أحد العناصر الرئيسة للحياة، وغاياتها الأساسية. أما فيما يتعلق بمسألة الحق والواجب، فوجد أنه وبالمقارنة بين الإنسان الحديث والإنسان القديم، أن توقعات الإنسان القديم وتقييمه لنفسه وللمجتمع يدور حول محور التكليف، بينما تدور متطلبات الإنسان الحديث حول محور الحقوق. كما أن النفعية التي تعتبر من إفرازات العقل الذرائعي للإنسان الحديث تشكل فارقاً من الفوارق بين الإنسان الحديث والقديم، وتتعمق هذه الفوارق وتطفو طبقاً للعوالم المختلفة التي يعيش فيها الإنسان، وتبدو المشكلة في أن فهمنا للدين يرتبط بالعالم القديم، وفهمنا ورؤيتنا للإنسان يرتبطان بالعصر الحديث والإنسان الجديد، وعندما نضع إحدى هاتين المقولتين إلى جانب الأخرى ـ حسب المؤلف- تبرز حالة التناقض وعدم الانسجام والتجانس فيما بينهما مما يثير علامات استفهام. العلمانية يكشف الدكتور سروش عن خفايا مفهوم العلمانية بعيداً عن السجالات والمنازعات التي ينجم عنها التباس المواقف، فيشير إلى أن العلمانية، هي ظاهرة فكرية تتضمن حالة فكرية ونزعة نفسانية للإنسان المعاصر، وعلى الرغم من وجود العديد من التعاريف للعلمانية، إلا أنها على اختلافها تشترك في عنصر واحد من العناصر الفرعية للعلمانية، وهو: فصل الدين عن الدولة الذي يشكل العنصر الأبرز في تحليل مفهوم العلمانية. من هنا، تبدو العلمانية منافسة للدين (الدين لله)، وبإمكانها أن تحل محله وتعمل على إقصائه عن واقع الحياة، والعلمانية تعمل على تلوين الأفكار بلون دنيوي بحيث يسلب هذا اللون الدنيوي اللون الديني، وبذلك تقصي التفكير في المبدأ والمعاد، وعندما تسلب هذه الأمور يمكن القول بظهور دين جديد، ورغم أنه لا يطلق على نفسه اسم الدين. لكنه يعمل عمل الدين ويؤدي الوظيفة ذاتها. والعلمانية وإن كانت بحسب الظاهر حلت محل الدين ومنحت الناس الدوافع والأفكار، لكنها لم تتمكن من تعويض ذلك الشيء، ولهذا السبب فإن المجتمعات غير الدينية تعيش التحسر على التدين والإيمان حتى في صفوف غير المتدينين لأنهم فقدوا عنصر الإيثار والجود والكرم والتضحية، الذي ينطلق من دوافع دينية، بينما في العلمانية فإن معيار المحاسبة العقلية هو الربح والمصلحة. المسلمون والتنمية وفي موضوعة المسلمون والتنمية تناول الدكتور سروش إشكاليات عديدة أشار فيها إلى أجواء التخلف التي يعيش فيها المسلمون، وأجواء التقدم والرقي التي يعيش فيها غير المسلمين (الغرب)، معبراً عن ذلك بأربع مقولات ـ وحسب رأيه- هي سبب تخلف المسلمين وتبدو في: التدين والالتزام بالإسلام، و التخلف، و عدم الإسلام أو الكفر أو اللادين، وأخيراً التطور. إن الانتماء إلى مذهب أو دين معين لا يتم من خلال الادعاء المحض، ومن الطبيعي أن تدخل العقيدة في كون المرء مسلماً، فكونه مسلماً لا يتحدد بالعمل فقط، فلا بد من توافر عنصري الاعتقاد والنية اللذين يمثلان دعامة العبادات، أما التخلف فأمره مفوض إلى المسلمين أنفسهم وبإمكانهم بناء المجتمع المطلوب والتحرك نحو تجديد أركانه ومعالمه، فالإسلام لا يمنع التطور، وعلى المسلمين أن يعقدوا العزم على بناء المجتمع المطلوب فلا أحد من العلماء أو المتكلمين أو الفقهاء ذكر في تعريف المسلم أن المسلم الجيد والحقيقي هو العالم بالطب أو الرياضيات أو علم الاجتماع، فالدين يحتاج إليه جميع الناس ولا يرتبط بمنطقة خاصة وتاريخ خاص، بل ينسجم مع جميع المجتمعات البشرية. وفي مقولة الكفر والتطور يرى المؤلف أن ثمة خلل في ثقافتنا لا يسمح لنا بالاحتفاظ بموروثنا العلمي والاستفادة منه، في حين استطاع الغرب استثمار هذا الموروث العلمي والفكري بأفضل ما يمكن. متسائلاً عن السر الكامن في أن الوارث المسلم لم يتمكن من استخدام موروثه الفكري والعلمي بينما تمكن الآخرون من الإفادة منه؟ راداً ذلك إلى عدة عوامل أهمها الاستبداد، الذي أرخى بظلاله على مجتمعاتنا في الوقت الذي نعم فيه الغرب بنسائم الديمقراطية، وهي أهم عوامل ازدهار وتطور الحضارة الغربية. ويتجلى العامل الآخر في ظهور البروتستانتية مقابل الكنيسة الكاثوليكية، التي أثارت علامات استفهام حول مرجعية الكنيسة، وعملت على زحزحة قدرة الكنيسة واستبداد رجال الدين الكنسيين، فضلاً عن ظهور العلوم التجريبية التي وضعت حداً لمزاعم ومطامع القساوسة ورجال الدين، أما المقولة الأخيرة التي يبحث فيها فهي أسباب التقدم والرقي، التي يراها في الصدق والأمانة والحريات السياسية الخارجية والداخلية والتقرب من الله لإشاعة أجواء الطهر والنقاء في العلاقات الإنسانية. تقابل التراث والحداثة تعرض الكثير من الكتاب والمفكرين لبيان أصل الحداثة وماهيتها، وكذلك ماهية التراث والالتزام به، وأوجه التقابل والاختلاف فيما بينهما. لكن الدكتور سروش في مقاربته للتراث والحداثة، وجد أن للحداثة رؤيتين، إحداهما رؤية العوام، الذين يرون أن هناك تفاوتاً واضحاً في عالم اليوم عن الماضي، ويكفي أن يفتح الإنسان عينيه ليرى هذا التفاوت بكل وضوح في ميادين العلم والتقنية والصناعة... أما رؤية الخواص، فهي أن معالم التجدد والحداثة في الواقع الخارجي مسبوقة بتجدد عالم الأفكار، والإنسان في عالم اليوم عزم على السيطرة على الطبيعة، وأخذ يتعامل معها من موقع الخصومة والمجابهة، ورؤيته الكونية أضحت عقلانية، في حين لم يكن الإنسان في الماضي يملك هذه الرؤية، ورؤيته للكون تقوم على الأسطورة. فضلاً عن أن عقل الإنسان الحديث اختلف بشكل ماهوي عن عقل الإنسان القديم الذي كان أكثر تديناً، وأكثر تطلعاً إلى ما وراء الطبيعة، ودور الله في حياته كان دوراً محورياً، بينما نجد أن الإنسان الحديث قلما يذكر الله، ويعتمد، غالباً، على عقله وإمكاناته – مذهب أومانيسم- أو محورية الإنسان. والعلماء في الماضي كانوا يهتمون بتفسير العالم، الذي كان محدوداً جداً، واليوم تحوّل اهتمامهم إلى تغيير العالم الواسع من حيث الزمان والمكان، فهو أكبر بكثير مما يتصوره العقل. هذه المقابلات بين العالم القديم والعالم الحديث، أفرزت نوعين من النظريات التجديدية، أولاهما: تجدد يفترض في قوامه وجود رابطة مع الموجود السابق رغم وجود الفوارق بينهما، بمعنى أن العالم الحديث موصول بالعالم القديم. وثانيهما: هو الانقطاع والتسامي عن الماضي والخروج عن إطاره. وفي تحليله للتراث والحداثة يجد الدكتور سروش أن هناك رابطاً أساسياً وموضوعياً بينهما، فالقدماء أو التراثيين كانوا يتحركون في حياتهم بعقولهم، ولكنهم لا يسألون عن حقيقة العقل، ويعيشون التوغل في الدين ولا يبحثون في علومه، ويملكون إيديولوجيا، ولكنهم لا يملكون معرفتها، وأخيراً، يملكون المعرفة ولكنهم يفتقدون علم المعرفة. من هنا، يبدو جوهر الحداثة والتجدد في العالم الجديد – حسب المؤلف- يكمن في ظهور المعارف من الدرجة الثانية التي ترتبط بابستمولوجيا العلوم. وسواء اتفقنا مع المؤلف في استنتاجه هذا، أم لم نتفق، لا يمكننا إنكار الدور الذي لعبه العلماء والفلاسفة القدماء والتراثيين في تقدم العلوم والمعارف، فالكثير من النظريات الرياضية والعقلية التي أبدعها هؤلاء، كانت الركيزة الأساس في تقدم العلوم والمعارف. .
إقرأ المزيد