كتاب مدارس الادب المقارن PDF رؤف شبايك : 1987م - 1443هـ إنّ الذي يُقصَدُ عادة من مصطلح الأدب المقارن هو: دراسة العلاقات بين آداب الشعوب المختلفة بالنظر إلى القوميّة من حيث تأثّرها وتأثيرها، أو ربّما يعني ذلك العِلم أو النوع من الدراسة الذي يحاول تخطّي الحدود القوميّة والجغرافيّة لمعرفة ما عِندَ الآخرينَ من آداب أصيلة لهم وآداب قد أخذوها عن غيرهم.[١] بينما يرى الدكتور حسام الخطيب أنّ مصطلح الأدب المقارن بحدّ ذاته هو مصطلحٌ مُخاتلٌ لا يدلّ على المعنى الذي يدلّ عليه هذا النوع من الدراسات، ولكن لأنّ اسم الأدب المقارن صارَ مشهورًا وهو أسلس الأسماء المُقترحة صار اسمًا على هذا النوع من الدراسات، وله أربعة مفاهيم لعلّ أقربها لما هو معروف اليوم هو مفهوم التأثّر والتأثير الذي مرّ تعريفه آنفًا.[٢] ذلك الاختلاف في إيجاد تعريف جامع مانع للأدب المقارن يعود إلى نشأة الأدب المقارن وتطوره منذ ظهوره في القرن التاسع عشر، ومفهوم الأدب المقارن عند محمد غنيمي هلال رائد الأدب المقارن عربيًّا -الذي وضّحه في كتابه الأشهر الأدب المقارن- هو دراسة مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها الأصليّة المختلفة، وفي الصلات المعقدة بينها في الحاضر والماضي، وكذلك دراسة الصلات التاريخية من حيث التأثّر والتأثير بين تلك الآداب بمختلف أشكالها، ويُلاحَظ من تعريف غنيمي هلال تركيزه هو ومن جاء بعده ومن كان قبله على ظاهرة التأثير والتأثر في الأدب المقارن؛ لأنّها كانت وما تزال عماد الدراسات المقارنة.[٣] منذ ظهور الأدب المقارن أوّل مرة في فرنسا في القرن التاسع عشر وإلى اليوم ظهرت ثلاث مدارس للأدب المقارن وضَعَت بصمتها في هذا الميدان وما يزال العالم أجمع يستعين بتلك المدارس عندما يريد إقامة دراسة مُقارِنة، وتلك المدارس هي: الأمريكيّة والفرنسيّة والسلافيّة.[٤] منذ دخول الأمريكان عالم الأدب المقارَن فإنّهم أبدَوا رفضًا شديدًا للتقيّد بالمبادئ التي أقرّها الفرنسيّون للأدب المقارن، فوسّعوا باب الأدب المقارن وأدخلوا فيه نزعات مختلفة عالميّة وفنيّة وأدبيّة خالصة، ومن هنا ينبغي أن تؤخذ النظريّة الأمريكية للأدب المُقارَن بجَديّة كبيرة لأنّ الأمريكيّين قد قدّموا حلولًا ذات قيمة في الأدب المقارن من جهة، ولأنّهم قد زاحموا الفرنسيّين على زعامة هذا الفن الذي بقي الفرنسيّون مسيطرين عليه حتى ظهور الأمريكان في ستينيّات القرن الماضي، فأبدى الأمريكان اهتمامًا فائقًا في الأدب المقارن وأعطوه تنظيمًا من ناحية الدراسة جعلهم يُطيحون بالفرنسيّين شيئًا فشيئًا.[٥] لعلّ هذا التصاعد الهائل في الوتيرة الإنتاجيّة عند الأمريكان يعود إلى سببين رئيسَين هما: ضخامة الإمكانيّات التي تضعها الجامعات الأمريكيّة بين أيدي الباحثين من إمكانيّات ماليّة إلى تسهيلات مكتبيّة إلى فرق بحث مشتركة وغير ذلك، والرغبة الخفيّة لدى القائمين على الجامعات الأمريكيّة في فتح نوافذ تلك الجامعات على نتاج الآداب العالميّة؛ لأنّ ذلك المجتمع كان غارقًا في مشكلاته، ضعيف التأثّر بما يجري حوله في العالم.[٥] لقد تأثّر الأمريكان بالفرنسيّين في الدراسات المقارنة وأخذوا عنهم مفهوم الأدب المقارن ودرّسوه في جامعاتهم، ولكن كان لدى الأمريكان أفكار جديدة تبلورت عندهم غير التي أخذوها عن الفرنسيين، وقد ظهرت بعض تلك الأفكار في كتاب مُشترك ألّفه اثنان من أعلام الأدب المقارن الأمريكي هما: رينيه ويليك وأوستن وارين، وكان اسم الكتاب "نظريّة الأدب المقارن"، وقد تبلورت هذه الآراء أكثر فأكثر من خلال المؤتمرات التي قد عُقِدَت من أجل الأدب المقارن عام 1959م و1976م، وقد أسهَمَ ويليك كثيرًا في بناء المدرسة الأمريكية للأدب المقارن، ولكنّه لم يكن وحده، فقد كان إلى جانبه المُقارِن الأمريكي من أصول ألمانيّة هنري ريماك.[٥] بعد انشغال ويليك في تخصّصه النقد والتاريخ تابعَ ريماك الطريق وحيدًا ووضع أسس المدرسة الفرنسيّة في الأدب المقارن، فبعد أسس التفكير التي وضعها رينيه ويليك استطاع ريماك أن يوجد مدرسة أمريكيّة ذات طابع مميّز ودافع عن هذا الطابع من خلال إسهاماته النظرية والتطبيقية، ومشاركاته الكثيرة في مؤتمرات الأدب المقارن ولا سيّما نشاطات رابطة الأدب المقارن.[٥] يرى الأمريكان أنّ الأدب المقارن هو دراسة الأدب خلف حدود بلد معيّن، ودراسة العلاقة بين هذا الأدب من جهة ومناطق أخرى من الاعتقاد والمعرفة من جهة أخرى، كالفنون من نَحتٍ ورسمٍ وموسيقا وعمارة وغير ذلك، وكالتاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعيّة من سياسةٍ واجتماعٍ واقتصاد وغير ذلك، فيمكن إجمال ما سبق والقول إنّ الأدب المقارن كما يراه الأمريكيّون هو مقارنة أدب مع أدب آخر أو آداب أخرى، وأيضًا هو مقارنة الأدب مع مناطق أخرى من التعبير الإنساني.[٦] المدرسة الفرنسيّة للأدب المقارن تنقسم في حقيقتها قسمَين: قديمة وحديثة، فأمّا القديمة فتعود إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر حينما ظهر مصطلح الأدب المقارَن أوّل مرّة في العالم بفضل جهود فرانسوا آبل فيلمان، وقال بعضهم بل سبقه بذلك معاصره جان جاك أمبير، وقد بدأت المدرسة الفرنسية القديمة بالتبلور على يد فيلمان؛ إذ كان أبرز أعلامها، بالإضافة إلى برونتيير وتلميذه الذي كان يدعى جوزيف تكست وغيرهم[٧]، ومن الأُسس التي قامت عليها المدرسة الفرنسيّة القديمة أو التقليديّة:[٨] المقارنة تكون بمقارنة أدب بأدبٍ فقط. المقارنة تكون بين أدبين اثنين أو أديبَين اثنَين. الصلات التاريخيّة هي شرط رئيس لعقد المقارنة. اختلاف لغة الآداب التي تُقارَن. أمّا فيما يخصّ المدرسة الفرنسيّة الحديثة للأدب المقارن فتعود نشأتها إلى النصف الثاني من القرن العشرين، وقد استوعب مؤسّسوها جميع مدارس الأدب المقارن وخرجوا بتصوّرٍ جديد يتناسب مع التطورات الجديدة والمعاصرة للدراسات التي تخص الأدب المقارن في العالم، وقد ألفوا كتابًا يوحّد آراءهم يدعى: ما الأدب المقارن؟ ومن أبرز أعلامها: بيير برونيل، كلود بيشوا، أندريه ميشيل روسوا. .
إقرأ المزيد