كتاب الثقافة العربية في عصر العولمة PDF تركي الحمد : الثقافة هي عبارة عن تلك المعايير المشكلة لنظام العقل والسلوك في مجتمع ما، أو لدى جماعة ما، والتي تحدد نظرة الفرد والجماعة لنفسها والآخرين، والكون من حولها، وبالتالي طبيعة السلوك. من هنا يمكن القول بأن للثقافة دورها في تحديد هوية المجتمعات. لذا فإنه، وفي عصرنا، والذي يدعونه عصر العولمة، والذي تبدو فيه ظاهرة التوحد هي الطاغية، هناك مشكلة مطروحة على بساط البحث في مجموعة هذه المحاضرات والمتمحورة في التساؤل التالي: ما هو مصير هويتنا، وثقافتنا الذاتية، وتاريخنا، وما هو موقفنا من كل ما يجري إذ أنه من الملاحظ، وفي عصر العولمة بأن هناك ثثقافة عالمية آخذة في التشكل، تتجاوز كافة الحدود الثقافية القومية أو المحلية الأخرى. وقد يصف البعض هذه الثقافة العالمية الجديدة الآخذة بالتشكل بأنها ثقافة سطحية، أو استهلاكية، أو غزو ثقافي، أو مادية، أو غير ذلك، ولكن مهما كان الوصف المعطى فإنه لا ينفي الحقيقة القائمة، ألا وهي أن مثل هذه الثقافة تنتشر وتسود على حساب ثقافات محلية وقومية عديدة، وبذلك قد نشجب هذه الثقافة، وقد نرفضها، ولكن لا الرفض ولا الشجب قادران على وقف زحفها، طالما أننا لا نقدم بديلاً ثقافياً قادراً على المنافسة في عصر متغيرات متسارعة، وليس مجرد الوعظ والنصح. وهذه الثقافة العالمية المتشكلة، ليست قاصرة على "الصرعات" أو "الأمركة" التي نشاهدها في مختلف المجالات الحياتية، ولكنها تذهب إلى الجذور المعرفية للثقافة. فالصرعات أو ثقافة الاستهلاك الذي لا يرتوي، قد تكون مجرد قشرة خارجية ليس من الضروري أن تدوم أبد الدهر. الثقافة العالمية المتحدث عنها هي تلك التي تقوم أسسها على مصدر معرفي وحيد، ألا وهو المصدر الامبيريقي، الذي يشكل أساس العلم المعاصر. انتصار هذا المصدر المعرفي، وتفرده بالسيطرة الثقافية نتيجة الثورة الثالثة، يعني إزاحة مصادر معرفية أخرى غير قادرة على المنافسة، وهذا ما يشكل لبّ العولمة. وترتفع الأصوات محذرة بالخطر والذوبان في الآخر الذي كنا نعتقد أننا نقف إزاءه موقف الند للند. ضمن هذا الإطار تجري مناقشة موضوع الثقافة العربية في عصر العولمة، حيث يحاول المؤلف ومن خلال استشفافاته وتحليلاته الموضوعية الإجابة عن التساؤل المطروح حول ماهية العمل الجاد الذي يضع الثقافة العربية في إطارها الصحيح في ظل العولمة الثقافية. إذ أنه يرى بأن هناك عمل واحد كي لا يكون هناك ذوبان في ثقافة العولمة أو انزواء عنها، ألا وهو "المشاركة" في صنع الثقافة العالمية الجديدة، وإلا فالرفض المطلق لن يؤدي إلى أي نتيجة، بل عن مثل هذا الرفض هو الذي سيؤدي في النهاية إلى القضاء على الهوية والثقافة الذاتية، وذلك بمثل ما قضت ثقافات في الماضي على ثقافات تاريخية لم يكن لها من آليات الدفاع إلا آلية الرفض المطلق، دون محاولة الفهم ومن ثم المشاركة الإيجابية. فالعولمة في النهاية لا تعني بالضرورة أحادية الثقافة، بقدر ما تعني الثقافة المشتركة التي في إطارها تقدم الثقافات الذاتية لمختلف الشعوب.
إقرأ المزيد