كتاب فلسفاتُ جنازة PDF مظهر عاصف : أيُّ وجعٍ يحملهُ هذا الديوان.. وأيُّ سرٍّ يُخفيهِ في طيّاتِ كناياتهِ وبكائيّاتِهِ وغربتِه؟ نعم..هو الجنون حينًا.. والطيشُ المتعمّدُ حينًا آخر.. والحكمةُ المسبوقة بوعي ووجعِ الشاعرِ الذي يُعاني من نزفِ الشعر في رئتيه! لا يحملُ الديوان رقصَ الدراويش.. ولا يبحثُ عن تصوّفٍ أو مقامات.. بل يشقى بالوجود ويؤرّقه الشعر.. ولا يُريدُ إلا وجهه! تتعبُه المادّة وتُثقِلُهُ الأشياء.. فيُمَوسِقُ شعره تارةً.. ويجلدهُ تارةً أخرى.. في شعر التفعيلة يتفلّتُ الشاعر عمدًا من الوزن.. يتحرَّرُ من الضوابطِ التي تخنقُ فكرته فيشطحُ في الإيقاع العروضيّ ويخدشُ لحنَ القصيدة في أكثر من مطرح، غيرَ أنّه يعودُ متلهّفًا إلى القصيدة بغزارة إيقاعه التركيبيّ والتصويريّ وكأنّه يحضنها بما أوتيَ من وجَعٍ ليقول إنّ الدم حينَ يسيلُ.. لا يؤمنُ بترسيمة أو حدود.. لكنّه يبقى ملتهبًا حتّى آخر رمق ويُبْقي حرائِقَه مشتعلةً حتّى آخر طَرفة حرف! ستلفتكَ حتمًا الحرارةُ في النصوص.. تلك الشرارة المتوهّجةُ المتنقّلةُ من قصيدةٍ إلى أختها.. وستلمسُ الصدقَ والدفقَ والشَّكَّ حدَّ الإيمان!.. ستتأكدُ أكثر من مقولةِ الشاعر الإسبانيّ "ميغيل دي سرفانتيس" حين رأى أنّ "الشاعر يولدُ من رحم أمّه شاعرًا.." كلّما توغّلتَ في وجعه أكثر.. تنفّستَ ريحَ "نزار قبّاني" في السبك واللغة الطيّعةِ والسهل الممتنع والسردِ الأنيق مع حداثةٍ في الصور وأناقةٍ في التعبير وجزالةٍ في الحرفِ والتصوير. يخطفُ الأنفاس حين يبحرُ في التعدادِ ورشقِ السهامِ الشاعرات النائحاتِ المتتاليات.. ثمّ يتركُ لك فسحةَ زفيرٍ ضيقةٍ متواضعة قبلَ أن يشدهَ الخيالَ من جديد.
إقرأ المزيد