كتاب معالم النظام السياسي: الفلسفي - الإسلامي - العلماني PDF د. أيمن المصري : اكتظّ الأدب السياسي بالتنظير للحاكميّة، وجدل شرعيّة الحاكم وتصرّفاته في شؤون المجتمع المحكوم، منذ مطلع ما يسمّى عصر النهضة الأوروبيّة في الغرب، وإن كان ذلك مسبوقاً بتاريخ رصين من الدراسات والتأليفات التي كان مركزها اليونان، حيث لم يقصّر فلاسفتهم في رسم ملامح العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وصولاً إلى الدراسات السياسيّة التي برزت في نهاية العصور الوسطى، عندما ظهر إلى السطح كتاب السياسة لأرسطو بعد أن كانوا لا يعرفون سوى مؤلِّفاته في المنطق، فظهر منظّرون في هذه المرحلة كان منهم: (يوحنا أف سالزبوري) و (توماس الاكويني) و (بطرس دوبوا) و (دانتي اليجيري). أمّا عصر النهضة المشار إليه، فكانت نظريّات ميكافيلّي الذي كان من أشدّ المناهضين للسلطة الروحيّة والدعاة لفصل الدِّين عن السياسة. وكانت التنظيرات لمشكلة الحاكميّة لا تنفكّ عن حلِّ لغز مفهوم الدولة ونشوئها وضرورتها من عدمه، ثمّ برزت نظريّات مثل: نظريّة القوّة، ونظريّة الحقّ الإلهي، ونظريّة العقد الاجتماعي، ونظريّة الأسرة، وهكذا، وأهمّها على الإطلاق نظريّة العقد الاجتماعي التي نظّر لها هوبز، ولوك، وروسو. وكلٌّ قد ذهب مذهبه الفكري في انتزاع تعريفٍ للسياسة والسلطة والحقِّ في الحكم، كلُّ ذلك من أجل إيجاد تقريب البديهيّة النظريّة والعمليّة التي يجدونها وهي: إنّه لابدّ من سلطةٍ ولابدّ من دولة. ولقد تمخّضت التجربة النظريّة الغربيّة في الفكر السياسي عن أهمّ الخصائص التي برّزت الواقع السياسي بالتالي: أولاً: اعتماد المنهج المادّي القائم على أساس الحسِّ والتجربة، والذي ألقى بملامحه على الرؤية الكونيّة الغربيّة. ثانياً: اعتماد النظام الديمقراطي في شكله المعروف اليوم، وإن اختلفت أشكال الأنظمة. ثالثاً: فصل الدِّين عن السياسة، أو ما يسمّى العلمانيّة. أمّا في الجانب الآخر من العالم، فقد كان المسلمون يعيشون نظاماً في الحكم اصطلحوا عليه بـ (نظام الخلافة)، والصراع الذي نشأ بعد وفاة النبيّ الأكرم (ع) في حقِّ الحكم والشرعيّة وتشخيص الخليفة أو الإمام، الذي بقيت تعيش الأُمّة آثاره إلى يومنا هذا. لقد استقرّ الفكر السياسي الغربي منذ زمن بعيد على تلك المميّزات واختفت مكابدات التنظير، بينما لا زال الجانب الآخر يعيش الهمَّ الفكري التنظيري للشرعيّة، ويرى المراقب عدم النسقية بين أنظمة الحكم، وشيوع حالة الديكتاتوريّة والمشْيَخات ووهم التفرّد بالسلطة، ولا تزال المنطقة تعيش ما يسمّى (الربيع العربي). ولكن يستوي أولئك وهؤلاء بنبذ الحقِّ وراء ظهورهم، وهم سائرون على طريق الزيغ والأهواء؛ بمجانبتهم العقل البرهاني الذي لا يختلف عليه أحد، وعدائهم للدِّين الحقِّ (الإسلام المحمّدي الأصيل). الأستاذ الدكتور أيمن المصري أجاب عن اللغز الذي حيّر ألباب المفكّرين ووضع كلَّ شيءٍ في نصابه الطبيعي،بمقتضى الرجوع للفطرة والعقل البرهاني اليقيني والدِّين الحقِّ، فتوافق الوحي والعقل والإنسان. والجدير بالذكر أنّ هذا الكتاب، كان قد أعدّه الأستاذ الفاضل بما يتناسب مع مرحلة معيّنة من المراحل الدراسيّة في أكاديميّة الحكمة العقليّة التي يرأسها، ولذلك فقد تحدّد بأدنى من فيض قلمه الواقعي الكامن في الحدِّ الأعلى من علمه. ومركز الهدف للدراسات إذ يعتز بنشر هذا السفر الرائع، يدعو القارئ الإنسان سواء كان أجنبياً أم عربياً، مسلماً أم غير مسلم، أن يدرس هذا الكتاب قبل أن يكون قارئاً له؛ لتنحلّ عنده عقدة المتضادّات الوهميّة التي صنعوها له في مطابخ الأطماع والهوى. يشتمل الكتاب على دراسة كليّة تأصيليّة تحليليّة جديدة ومقارنة لأصول النظام السياسي في الفلسفة العقليّة، والإسلام الأصيل، والعلمانيّة الليبراليّة، انطلاقاً من المنهج العقلي البرهاني القويم الذي ثبت في علمي المنطق والمعرفة، وعصمته وموضوعيته العلميّة، وكونه ميزاناً عقليّاً كليّاً معتبراً لأصول المعارف البشريّة. ومن منطلق هذه الرؤية، فسوف يكون الكلام أوّلاً وبالذات عن النظام السياسي الفلسفي العقلي عند الحكماء المتألهين، والقائم على المنهج العقلي البرهاني المستقيم، لا الفلسفي بمعناه الغربي الرومانسي الحديث القائم على الأحاسيس والخيالات والاستحسانات الشخصيّة أو الاستقراءات الظنيّة والأوهام العرفيّة، وإن كان يحلو لهم أن يسمّوها بالعقليّة، والتي ليس مآلها في النهاية إلّا إلى الشكِّ والسفسطة. وعند البحث حول النظام السياسي في الإسلام، فلم يكن مقصود الكاتب ديناً معيّناً بنفسه، أو مذهباً إسلاميّاً بعينه بحسب المشهور، بل هو الدين أو المذهب الإلهي المطابق للقراءة العقليّة الفلسفيّة من وجهة نظره وبحسب الواقع أيضاً، والذي سمّاه بالإسلام الأصيل، أو الدين الإسلامي المبين، أو الإسلام المَرْضي حسب ما جاء في القرآن الكريم، ولم يتعرّض الكاتب لسائر الأديان الإلهيّة أو القراءات المذهبيّة الإسلاميّة المخالفة في أصولها أو مبانيها المعرفيّة أو الاعتقاديّة للعقل البرهاني القويم، والتي اعتمدت في رؤيتها السياسيّة على قراءات نقليّة وكلاميّة، أو ذوقيّة عرفانيّة، أو التقاطيّة حداثويّة، لاعلاقة لها بالإسلام الأصيل، الذي هو دين الله في الواقع ونفس الأمر: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ). وفي نهاية المطاف عندما يتعرّض الأستاذ للنظام السياسي العلماني، فإنّه يتعرّض له في أبهى صوره وقراءاته، وهو النظام السياسي الليبرالي الديمقراطي، والمعبّر عنه بالمجتمع المدني الحر، والذي هو الأقرب بالفعل من طبيعة وفلسفة الفكر العلماني القائم على حرّية ومحورية الإنسان واستقلاليته المعرفيّة الابستمولوجيّة والفلسفيّة والآيديولوجيّة، وهو كما سيتبيّن من تحليله ونقده لأصوله وأركانه إنّه يقف على النقطة المقابلة تماماً للنظام السياسي الفلسفي العقلي والنظام السياسي الإسلامي الأصيل؛ وبالتالي فهو أبعدها عن الواقع والفطرة الإنسانيّة. وينبغي الإشارة هنا أنّ الكاتب قد اعتمد في تحقيق وبيان مطالب هذا الكتاب بنحوٍ رئيسي على المسلك العقلي البرهاني، واجتنب قدر المستطاع - باستثناء بعض الموارد - المنهج الجدلي القائم على استعراض الآراء المختلفة والمتباينة والإسهاب في تحليلها ونقدها، كما هو الحال في أكثر الدراسات العلميّة الحديثة، بل شرع أوّلاً في تأسيس الأصول المعرفيّة للبحث بنحوٍ موضوعي ومنطقي، ثمّ بنى على أساسها صرح البناء المعرفي والفلسفي للنظام السياسي بنحوٍ مستدلّ.
إقرأ المزيد