كتاب اتجاهات الخطاب النقدي العربي وأزمة التجريب PDF أد عبدالواسع الحميري : في قراءتنا لواقع النقد العربي قديماً وواقع هذا النقد حديثاً، نستطيع أن نرصد ملامح أزمتين؛ لازمت أولاهما حركة الخطاب النقدي القديم منذ لحظة الولادة الأولى ، لترافقه طوال مسيرة حياته وتطوره حتى مطلع عصر النهضة، ولازمت ثانيهما الخطاب النقدي العرب الحديث أو المعاصر منذ منتصف ستينات القرن الماضي-على الأقل-وظهور تيارات الحداثة، وما بات يسمى بـ"ما بعد الحداثة" حتى اللحظة الراهنة ،وهما أزمتان نعتقد أنهما جديرتنان بالتوقف عندهما ،ومحاولة الكشف عن ملاحمهما ، بحكم أنهما قد أسهمتا، بشكل فاعل، في تهميش دور الخطاب النقدي العربي، وتغييبه عن ساحة الفعل والتأثير في الحياة الثقافية والإبداعية العربية. ولكي نوضح ما نعنيه بالأزمة الأولى، أعني أزمة الخطاب النقدي العربي القديم، نود أن نشير إلى أن الخطاب النقدي العربي، قد ظل يمثل، في جملته، طوال مراحل تطوره وازدهاره، ضرورة الفرد العربي؛ أكان الفرد المفرد عن الجماعة ، أم المتسلط على الجماعة، والأول هو الشاعر الموصوف، في الوعي البياني العربي، بالفحولة أو المتحلي ببعض شروطها ومقوماتها، ومن ذلك، الانفراد والعزلة، إضافة إلى السبق والقدرة على إفحام الخصم، أما الثاني فهو الفرد الحاكم الذي ما انفك يحتل، في وعي النظرية النقدية البيانية، موقع المخاطَبِ من "ذوي الأقدار" بوصفه رمز السلطة الدينية والسياسية أو الاجتماعية، أو الاقتصادية، أي سواء أكان هذا الفرد الذي ظل الخطاب النقدي في خدمته، حاكما فنيا أم متحكّما في شروط إنتاجنا الثقافي والحضاري(حيث الشعراء، في هذا الوعي، هم أمراء الكلام يصرفونه أنّى شاؤوا، ولم يكن الخطاب النقدي العربي ف أي يوم ن الأيام ضرورة المجموع أو المجتمع العربي، إلا في ما ندر، ووفق شروط خاصة لا تكاد تتحقق. ما يعني أن الخطاب النقدي العربي، قد بقي مكرساً طول تاريخه في خدمة فكرتين، أو بالأحرى في ترسيخ ذائقتين، لا ثالث لهما: ذائقة "فردنه/وحشنة الفرد العربي، وذائقة جمعنة/قطعنة المجموع. وهذا يقتضي أن الخطاب النقدي العربي قد ظل يكرس عدداً من السلطات التي ما انفكت تسكننا، وتصادر حقنا في التفكير وفي التعبير بحرية، ومن بين تلك السلطات: - سلطة المعيار ومحاولته الدائمة والدائبة فرض شروط الذائقة الجماعية على الأفراد، أكانوا أفرادا منشئين، أم أفرادا مخاطبين، أو متلقين. - سلطة الفرد المفرد فنيا؛ بحكم موقعه المتفرد والفريد الذي يحتله في السلم الاجتماعي الذي نؤمن به جميعاً، ونسعى إلى ترسيخ منطقه جميعا، وهذا النوع من الخطاب يعمل على ترسيخ سلطة الموقع الاجتماعي في الوعي الجمعي لكل منا، وهذا الوعي الذي ما انفك ينحاز إلى متلقي الخطاب الشعري؛ ناظرا إليه من زاوية أنه الفرد المفرد من فئة "ذوي الأقدار" في المجتمع، بوصفهم من يجب علينا التسليم بزيادة أقدارهم في المجتمع، والعمل على إثبات تلك الزيادة باستمرار. - سلطة الفرد المختلف (عنا) المؤتلف مع نفسه، أعني سلطة الفرد الفريد، بوصفه الشاعر المبدع الذي ترسخ في وعيه، كما في وعينا نحن قراء شعره، أنه كائن مختلف بالطبيعة أو بالفطرة والغريزة، لذلك فما علينا إلا أن نسلم باختلافه وعبقريته، حتى إن لم يكن كذلك في الواقع العملي، لذلك فهو لا يحتاج لكي يفرض سلطة اختلافه علينا إلى شهادة منا؛ نعترف خلالها باختلافه، ولا إلى جهد يبذله في سبيل تعزيز ثقتنا بذلك، أو إثبات أنه كذلك، وهذا يقتضي أنها سلطة مبعثها أو مصدرها شعوره الدائم بالثقة واطمئنانه إلى أنه فعلاً قد صار مختلفا(عنا) اختلاف تميز وعبقرية. على أنه لا فرق، في المحصلة النهائية، بين الفكر أو الخطاب النقدي الذي يُفردن الفرد أو يسلطه على المجموع، والخطاب الذي يقطعن باقي أفراج الجماعة التي ينتمي إليها الفرد المتفرد؛ فكلاهما يعد خطاب سلطة، في المحصلة النهائية، إلى النتيجة عينها، وإن بطرائق مختلفة، أو لنقل: إن كليهما يمارس قمع المجموع، ومصادرة حقهم في أن يفكروا بحرية ، وأن يعبروا بحرية، وإن تميز الأول عن الثاني، على الأقل، من حي شكل السلكة التي يمارسها علينا، أو على جمهور المتلقي العربي، في أنه يسلك طريقاً إلى قطعنة الجمهور العربي، هي بالضرورة طريق فردنة الفرد وتسليطه عليه، فهو إذن يسلك طريق الفردنة، بوصفها إحدى وسائل القطعنة، أو إحدى الطرق الموصلة إليها.
إقرأ المزيد