كتاب ما الثورة الدينية PDF داريوش شايغان : كتاب ما الثورة الدينية تأليف داريوش شايغان، على الرغم من أن كتاب ما الثورة الدينية؟، الذي ظهرت طبعته الأولى سنة 1982، استوحى مادته من الأحداث التي هزت العالم آنذاك، فإن محتواه يتجاوز بكثير الإطار الضيق للأحداث وينفتح على تصدعات الفكر الكبرى. وقد أبرز للعيان البنى القديمة للنظرة التقليدية للعالم، كما كشف عما لحق هذه البنى من تهديم منظم بفضل ذلك الحدث التاريخي الهائل المتمثل في ظهور الحداثة. لم يكن الكتاب يهدف منذ البداية إلى تقديم جرد وقائعي للأحداث، بقدر ما كان يسعى إلى توضيح المأساة التي تختفي وراء الظواهر، كما لو أنه يحاول عن طريق فينوميونولوجيا رؤى العالم النفاذ إلى مسرح الصراعات الثقافية الكونية. وتصبح الثورة الدينية في هذا السياق علامة خطيرة على فشل مزدوج سواء من حيث عجز الحداثة عن إقناع الجماهير المحرومة الطريحة على هامش التاريخ، أم من حيث عجز التقاليد الدينية القديمة عن استيعاب ما عرفته العصور الحديثة من قطيعة مع الماضي. وبالعودة لأقسام هذا الكتاب نجد أنه قد جاء محتوياً ثلاثة أقسام اشتمل القيم الأول على البواب الثلاثة الأولى، وقد اعتبرها المؤلف مجرد استطراد لتسهيل مهمة القارئ حتى يفهم جيداً معنى الثورة الدينية في أفق الحضارات التقليدية. ومحتوى هذا القسم الأول "تذكير" بالبنى الكبرى للفكر التقليدي وكيف انهارت مع انبثاق العصر العلمي التقني في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، الذي أحدث تغييراً مذهلاً في وعي الإنسان بذاته وبمركزه في العالم، بحيث رأى فيه المؤلف ثاني تحول ثقافي للبشرية (حدث التحول الأول ما بين القرنين السابع والخامس قبل الميلاد). وقد نقل هذا التحول الإنسانية "من الرؤية التأملية إلى الفكر التقني، ومن الأشكال الجوهرية إلى مفاهيم التقنية الرياضية، ومن الجواهر الروحية إلى الدوافع الغريزية البدائية، ومن الأخروية إلى التاريخانية". ولم يعد للإنسان تبعاً لذلك، موضع مركزي وثابت في العالم لأن العالم لم يعد هو نفسه شيئاً ثابتاً... ولم يعد ينتسب إلى الأنبياء، بل أضحت شجرة نسبه تعود إلى القردة. ولم يعد سيد نفسه، بل هو متربع فوق بركان من القوى اللاواعية واللاعقلية. لقد "انهارت (باختصار) رؤية العالم التراتبية وقوساً النزول والصعود والبنية الثلاثة وعلم اللاهوت السالب والصور الظاهرانية للخيال، بحيث حل التطور ذو البعد الواحد محل الصعود الدوري التزامني، وحلت أزمنة وفضاءات الامتداد الهندسي المتجانسة محل الأزمنة والفضاءات الروحية المتفردة، وحلت السببية الفيزيائية محل تطابق الرموز التزامني، وحلت ثنائية الجسد والروح محل بنية الفكر الثلاثية، وحلت أخيراً الكناية محل الرمز". ويشتمل القسم الثاني البابين الرابع والخامس، ويتركز حول الوضعية الراهنة للحضارات التقليدية. فهذه الحضارات تعيش مأزقاً حقيقياً متأتياً من كونها فقدت بناها الفكرية الكبرى، أو بالتدقيق فقدت هذه البنى مبررات وجودها بفعل الهجمة الحداثية الغربية، ومن كونها لم تشارك في صنع هذه الحداثة، أو في الحقيقة-كما يرى شايغان-لم يسمح لها الغرب بذلك. فعلى خلاف التحول الإنساني الأول الذي حدث في حواضر العالم الكبرى آنذاك (اليونان والهند والصين)، فقد اكتفى التحول الثاني بالمجال الجغرافي الغربي. ولما كانت هذه الحضارات ترغب في الفعل في التاريخ، فقد حاولت جاهدة الانخراط في هذا التاريخ، ولكن من دون القيام بأي مجهود نقدي إزاء بناها الفكرية الموروثة، بل غاية ما فعلته مماثلة مفاهيمها بالمفاهيم الغربية، فتصبح بذلك (على سبيل المثال) الصلاة رياضة، والضوء صحة، والشورى ديموقراطية... الخ، ويسمي شايغان هذه العملية "أدلجة المأثور". والنتيجة المباشرة لهذه العملية، أن ما تنتجه هذه الحضارات من فكر هو فكر بلا موضوع، وما تنتجه من فن هو فن بلا محل، وما تأتيه من سلوك هو سلوك عبثي. أما طبقتها المثقفة فلا هي سليلة "حكماء الشرق"، ولا سليلة "مثقفي الغرب". وتكون النتيجة النهائية أن: "يسقط الدين في أحبولة مكر العقل، فيتغرب وفي نيته مواجهة الغرب، ويتعلمن وفي عزمه روحنة العالم، ويتورط في التاريخ وفي مشروعه إنكار التاريخ وتجاوزه". يقترح شايغان للخروج من هذا المأزق التاريخي في الباب السادس، وهو القسم الثالث مخرجاً يتلخص في نقطتين اثنتين: أولاهما فصل السياقين الثقافيين الغربي والشرقي، عن بعضهما البعض، وذلك بأن نعي أن الدين ليس هو الإيديولوجيا، وأن قوانين التاريخ تخضع لمعايير غير معايير العودة العمودية إلى الوجود. وثانيتهما القيام برحلة متبادلة. وبما أن الغربيين أدوا هذه الرحلة في شخص هنري كوبان "الذي أعاد رسم المسافة من هيدغر إلى السهروردي (كان أول من ترجم هيدغر إلى الفرنسية، والتلميذ الروحي الغربي الأول للسهروردي)، فعلى الشرقيين أن يردوا الرحلة في الاتجاه المعاكس.
إقرأ المزيد