كتاب التاثيم في نطاق الحريات العامة PDF د برهان زريق : لعل الموضوع الأساسي في بحثنا ودراستنا هو: حريات الفكر والتأثيم عليها وهذه الحريات تشمل في القانون الدستوري – الحريات الآتية: 1- حرية العقيدة والديانة. 2- حرية التعليم 3- حرية الصحافة 4- حرية المسرح والسينما والإذاعة. 5- حرية الرأي. وإذا ألقينا نظرة عجلى على هذه الحريات أمكننا القول إن حرية الرأي هي أم الحقد وأساس هذه الحريات، فهذه الحرية هي حرية النشاط الفكري المتوثب، الحي الفعال المتقد الحر الذي بنوس في المجال الطبيعي له، أو هو النور الطبيعي في العقل ونبل الإشعاع الذي يصدره القلب. لكن هل إن المقطع الأخير من قولنا السابق كلام إنشائي عام يحتاج إلى ضبط وتحديد وتعيين وبالتالي، فما المقصود من ذلك؟؟ هنا تصادفنا نقلة جديدة في مقاربتنا لموضوع الدراسة، إذ فليست حرية التفكير هي تلك الحرية بالمعنى الفلسفي، أي موضوع عناية الفلاسفة واهتماماتهم البحث عن الحرية مطلقاً في ذاتها، وإنما هي الحرية عند ممارستها في نطاق معين هو النطاق الاجتماعي والذي يتحدد بالنظام العام وفي إطاره. وبيان ذلك أن الحرية لها تجليات متعددة، وإحدى هذه التجليات حركتها في المجتمع المنظم الذي تسوسه سلطة، والحرية بهذا المدلول والتجلي هي الحرية الاجتماعية التي إطارها وحدودها الجماعة المنظمة والمؤطرة بالنظام العام فالحرية تنغرس ضمن مطال سياسي اجتماعي، وفي هذا المطال تظهر السلطة السياسية كحامية للنظام العام وساهرة على تطبيقه، ومن ثم فالحرية (بالمعنى القانوني) لا يمكن تصورها إلا في إطار هذه الجدلية: جدلية سلطة/ حرية. فالحرية بهذا المعنى القانوني لها جانب خلفي (دستوري) وجانب آخر إداري والجانب الأول الدستوري يعني الحرية في ذاتها أي عند المنبع والسكون بينما الحرية في معناها الإداري إنما تعني الحرية عند الممارسة والإطار الثالث للحرية هو الإطار الجزائي وهو خروج محدد على النظام تتحقق فيه شروط قانونية معينة. المستعرض لأنواع الحريات التي أشرنا إليها سابقاً نجد أن بعضها راكداً داكناً ساكناً خامداً لا يثير سخونة في التطبيق وعند الممارسة في حين أنبعضها الآخر ً فواراً ملتهباً كما في حرية الرأي وحرية الصحافة الأسباب المذكورة أعلاه فلقد وجدت أنه من الأجدى أن أترسم في دراستي حدود الحريات الملتهبة المشتعلة الفوارة. وأن أضرب الذكر صفحاً عن بقية الحريات الفاترة. وكما قلنا سابقاً فقد رأيت أن ترهص وتؤطر بحزمة من الأطر والمسائل تنقلنا بالتداعي رويداً ووئيداً إلى الموضوع، ولكننا نقلاً طبيعياً وأكيداً إلى الهدف. ومن البداهة بمعان أن الحرية جوهر أساسي ونور مقدس في الإنسان، وقد وهبه الله هذه الملكة الخصية ليعرج من خلالها إلى ملكوت البناء والحياة والله، ولا يمكنه الوصول إلى قمة هذا المعراج إلا إذ تملك هذا الجوهر حق الامتلاك ذلك إذ الأمة بصفتها شخصاً جماعياً- تملك السيادة في منابعها الأولى، ولا يمكن لها أن تنمو وتظفر وتحقق إنجازاتها إذ احتلت هذه السيادة... والأمة ذاتها لا تملك هذه السيادة وهي مطلقة إلا إذا تحققت بسيادة الفرد على كيانه الطبيعي وعلى إشعاعاته ومنطلقاته وكانت بالتالي هذه السيادة- مثلها في ذلك مثل سيادة الأمة- مطلقة منظمة... من جماع ما تقدم أثرنا- بدافع منطقي وقيمي وطبيعي – أن نتلكم أولاً- لماماً ومجتزأ وضمن فكرة حزمة الأطر المنؤ بها سابقاً- ثم نتكلم بعد ذلك على السلطة، ثم يقودنا التداعي والانتقال إلى أطياف جدلية الحرية والسلطة في الفكر الديمقراطي الحر. وبعد هذه الخطى الوئيدة الأكيدة ننتقل إلى بحث النظام العام باعتباره المجال الذي تمارس فيه الحرية ثم نقتفي ذلك ببحث الحرية والصالح المشترك، كل ذلك مفردات وعناصر الأطر التي تكلمنا عليها والتي ترهص وتحيط بالموضوع، والله تعالى هو الهادي المستعان.
إقرأ المزيد